والروية والتجارب، يوجد مفروغا منه في الخلقة حكمة بالغة (1) ليعتبر بها المعتبرون، ويفكر فيها الملحدون، قاتلهم الله أنى يؤفكون (2).
(طلوع الشمس وغروبها والمنافع في ذلك) فكر يا مفضل في طلوع الشمس وغروبها، لإقامة دولتي النهار والليل، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله، فلم يكن الناس يسعون في معائشهم، ويتصرفون في أمورهم، والدنيا مظلمة عليهم، ولم يكونوا يتهنون بالعيش مع فقدهم لذة النور وروحه... والأرب في طلوعها ظاهر مستغنى بظهوره عن الإطناب في ذكره، والزيادة في شرحه... بل تأمل المنفعة في غروبها، فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء والراحة لسكون أبدانهم، وجموم حواسهم (3) وانبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام، وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، ثم كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل، ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم، فإن كثيرا من الناس لولا جثوم (4) هذا الليل بظلمته عليهم، لم يكن لهم هدوء ولا قرار، حرصا على الكسب والجمع والادخار، ثم كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها، ويحمي كل ما عليها من حيوان ونبات، فقدرها الله بحكمته وتدبيره، تطلع وقتا وتغرب وقتا، بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم، ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدؤا ويقروا، فصار النور والظلمة، مع تضادهما منقادين متظاهرين ما فيه صلاح العالم وقوامه.