تهيئه الحواس والمحسوسات بعضها يلقى بعضا، وتهيئة أشياء أخر بها تتم الحواس، لا يكون إلا بعمل وتقدير من لطيف خبير.
(فيمن عدم البصر والسمع والعقل وما في ذلك من الموعظة) فكر مفضل فيمن عدم البصر من الناس. وما يناله من الخلل في أموره، فإنه لا يعرف موضع قدميه، ولا يبصر ما بين يديه، فلا يفرق بين الألوان، وبين المنظر الحسن والقبيح، ولا يرى حفرة إن هجم عليها ولا عدوا إن أهوى إليه بسيف، ولا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة والتجارة والصياغة. حتى إنه لولا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقى.
وكذلك من عدم السمع، يختل في أمور كثيرة، فإنه يفقد روح المخاطبة والمحاورة، ويعدم لذة الأصوات واللحون المشجية والمطربة، وتعظم المؤنة على الناس في محاورته. حتى يتبرموا به، ولا يسمع شيئا من أخبار الناس وأحاديثهم، حتى يكون كالغائب وهو شاهد، أو كالميت وهو حي.
فأما من عدم العقل، فإنه يلحق بمنزلة البهائم، بل يجهل كثيرا مما تهتدى إليه البهائم، أفلا ترى كيف صارت الجوارح والعقل، وسائر الخلال (1) التي بها صلاح الإنسان، والتي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل، يوافي (2) خلقه على التمام حتى لا يفقد شيئا منها، فلم كان كذلك؟ إلا أنه خلق بعلم وتقدير.