(النبات وما فيه من ضروب المآرب ) فكر يا مفضل في هذا النبات وما فيه من ضروب المآرب، فالثمار للغذاء، والأتبان (1) للعلف، والحطب للوقود، والخشب لكل شئ من أنواع التجارة وغيرها، واللحاء (2) والورق والأصول والعروق والصموغ لضروب من المنافع. أرأيت لو كنا نجد الثمار التي نغتذي بها مجموعة على وجه الأرض، ولم تكن تنبت على هذه الأغصان الحاملة لها، كم كان يدخل علينا من الخلل في معاشنا، وإن كان الغذاء موجودا فإن المنافع بالخشب والحطب والأتبان وسائر ما عددناه كثيرة عظيم قدرها، جليل موقعها، هذا مع ما في النبات من التلذذ بحسن منظره، ونضارته التي يعدلها شئ من مناظر العالم وملاهيه.
(الريع في النبات وسببه) فكر يا مفضل في هذا الريع الذي جعل في الزرع، فصارت الحبة الواحدة تخلف مائة حبة وأكثر وأقل، وكان يجوز للحبة أن تأتي بمثلها فلم صارت تريع هذا الريع إلا ليكون في الغلة (3) متسع، لما يرد في الأرض من البذر، وما يتقوت الزراع إلى إدراك زرعها المستقبل، ألا ترى أن الملك لو أراد عمارة بلد من البلدان كان السبيل في ذلك أن يعطي أهله ما يبذرونه في أرضهم وما يقوتهم إلى إدراك زرعهم.
(فانظر كيف تجد المثال قد تقدم في تدبير الحكيم، فصار الزرع يريع