من العيدان، وتلف بالخرق وتشد بالخيوط، وتطلى فوق ذلك بالصمغ فتكون العيدان بمنزلة العظام، والخرق بمنزلة اللحم، والخيوط بمنزلة العصب والعروق، والطلاء بمنزلة الجلد، فإن جاز أن يكون الحيوان المتحرك حدث بالإهمال من غير صانع جاز أن يكون ذلك في هذه التماثيل الميتة، فإن كان هذا غير جائز في التماثيل فبالحري أن لا يجوز في الحيوان.
(أجساد الأنعام وما أعطيت وما منعت وسبب وذلك) وفكر يا مفضل - بعد هذا - في أجساد الأنعام (1) فإنها حين خلقت على أبدان الإنس من اللحم والعظم والعصب، أعطيت أيضا السمع والبصر ليبلغ الإنسان حاجته، فإنها لو كانت عميا صما لما انتفع بها الإنسان ولا تصرفت شئ من مآربه، ثم منعت الذهن والعقل لتذل للإنسان، فلا تمتنع عليه، إذا كدها الكد الشديد، وحملها الحمل الثقيل. فإن قال قائل إنه قد يكون للإنسان عبيد من الإنس، يذلون ويذعنون بالكد الشديد، وهم مع ذلك غير عديمي العقل والذهن. فيقال في جواب ذلك أن هذا الصنف من قليل، فأما أكثر الناس فلا يذعنون بما تذعن به الدواب من الحمل والطحن وما أشبه ذلك، ولا يغرون (2) بما يحتاج إليه منه.. ثم لو كان الناس يزاولون مثل هذه الأعمال بأبدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الأعمال، لأنه كان يحتاج مكان الجمل الواحد والبغل الواحد إلى عدة أناسي، فكان هذا العمل يستفرغ الناس حتى لا يكون فيهم عنه فضل لشئ من الصناعات مع ما يلحقه من التعب الفادح في أبدانهم والضيق والكد في معاشهم.