مهب الجنوب (1) فلم جعل الله عز وجل كذلك إلا لتنحدر المياه على وجه الأرض فتسقيها وترويها، ثم تفيض آخر ذلك إلى البحر، فكما يرفع أحد جانبي السطح، ويخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولا يقوم عليه كذلك جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها، ولولا ذلك لبقي الماء متحيرا على وجه الأرض، فكان يمنع الناس من أعمالها، ويقطع الطرق والمسالك، ثم الماء لولا كثرته، وتدفقه في العيون والأودية والأنهار، لضاق عما يحتاج إليه الناس، لشربهم وشرب أنعامهم ومواشيهم، وسقي زروعهم وأشجارهم وأصناف غلاتهم، وشرب ما يرده من الوحوش والطير والسباع، وتتقلب فيه الحيتان ودواب الماء، وفيه منافع أخر أنت بها عارف وعن عظيم موقعها غافل فإنه (2) سوى الأمر الجليل المعروف من عظيم غنائه في إحياء جميع ما على الأرض من الحيوان والنبات يمزج الأشربة فتلذ وتطيب لشاربها، وبه تنظف الأبدان والأمتعة من الدرن (3) الذي يغشاها، وبه يبل (4) التراب فيصلح للأعمال وبه يكف عادية النار إذا اضطرمت، وأشرف الناس على المكروه، وبه يستحم المتعب الكال (5) فيجد الراحة من أوصابه، إلى أشباه هذا من المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها، فإن شككت في منفعة
(٩٢)