حاجتهم إلى ذلك منهم (1) ثم كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم، لأن الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم، فيتفرقون عنهم حين يولدون، فلا يعرف الرجل أباه وأمه، ولا يمتنع عن نكاح أمه وأخته، وذوات المحارم منه، إذا كان لا يعرفهن. وأقل ما في ذلك من القباحة، بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع، لو خرج المولود بطن أمه وهو يعقل، أن يرى (2) منها ما لا يحل له، ويحسن به أن يراه، أفلا ترى كيف أقيم كل شئ من الخلقة على غاية الصواب؟ وخلا من الخطأ دقيقه وجليله (3).
(منفعة الأطفال في البكاء) اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة. واعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة، إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعللا عظيمة، من ذهاب البصر وغيره، والبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم. أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان (4) ليسكتانه ويتوخيان (5) في الأمور مرضاته لئلا يبكى، وهما لا يعلمان أن البكاء أصلح له