قدر الرزق كيف فرقه. فلم يجعل مما لا يقدر عليه، إذ جعل بالخلق حاجة إليه، ولم يجعل مبذولا ينال بالهوينا (1) إذ كان لا صلاح ذلك فإنه لو كان يوجد مجموعا معدا كانت البهائم تنقلب عليه، ولا تنقلع عنه حتى تبشم (2) فتهلك. وكان الناس أيضا يصيرون بالفراغ إلى غاية الأشر والبطر، حتى يكثر الفساد وتظهر الفواحش.
(معاش البوم والهام والخفاش) أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا بالليل، كمثل البوم والهام (3) والخفاش؟...
قلت: لا يا مولاي.
قال: إن معاشها من ضروب تنتشر في الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب (4). وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع.. واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل في سطح أو عرصة دار، اجتمع عليه من هذه الضروب شئ كثير.. فمن أين يأتي ذلك كله، إلا من القرب؟ فإن قال قائل: إنه يأتي من الصحارى والبراري، قيل له: كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد، وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه، مع أن هذه عيانا تتهافت على السراج من قرب، فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل