وسقيها والقيام عليها وخلقت له العقاقير لأدويته، فكلف لقطها (1) وخلطها وصنعها، وكذلك تجد سائر الأشياء على هذا المثال.
فانظر كيف كفى الخلقة التي لم يكن عنده فيها حيلة. وترك عليه في كل شئ من الأشياء موضع عمل وحركة، لما له في ذلك من الصلاح، لأنه لو كفى كله، حتى لا يكون له في الأشياء موضع شغل وعمل، لما حملته الأرض أشرا وبطرا (2) ولبلغ به ذلك إلى أن يتعاطى أمورا فيها تلف نفسه، ولو كفى كل ما يحتاجون إليه لما تهنأوا (3) بالعيش ولا وجدوا له لذة... ألا ترى لو أن امرءا نزل بقوم، فأقام حينا بلغ جميع ما يحتاج إليه من مطعم ومشرب وخدمة، لتبرم بالفراغ ونازعته نفسه إلى التشاغل بشئ، فكيف لو كان طول عمره مكفيا لا يحتاج إلى شئ؟
فكان من صواب التدبير في هذه الأشياء التي خلقت للإنسان: أن جعل له فيها موضع شغل، لكيلا تبرمه البطالة، ولتكفه عن تعاطي ما لا يناله، ولا خير فيه أن ناله.
(الخبز والماء رأس معاش الإنسان وحياته) واعلم يا مفضل أن رأس معاش الإنسان وحياته: الخبز والماء...
فانظر كيف دبر الأمر فيهما، فإن حاجة الإنسان إلى الماء أشد من حاجته إلى الخبز، وذلك أن صبره على الجوع أكثر من صبره على العطش، والذي يحتاج من الماء أكثر مما يحتاج إليه من الخبز، لأنه يحتاج إليه لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وسقي أنعامه وزرعه فجعل الماء مبذولا