المصالح، جعلت كالمخزونة في الأجسام، فتلتمس عند الحاجة إليها، وتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها لئلا تخبو فلا هي تمسك بالمادة والحطب، فتعظم المؤونة في ذلك، ولا هي تظهر مبثوثة، فتحرق كل ما هي فيه، بل هي على تهيئة وتقدير، اجتمع فيها الاستمتاع بمنافعها والسلامة من ضررها.
ثم فيها خلة أخرى وهي أنها مما خص بها الإنسان دون جميع الحيوان لما له فيها من المصلحة، فإنه لو فقد النار لعظم ما يدخل عليه من الضرر في معاشه، فأما البهائم فلا تستعمل النار، ولا تستمتع بها، ولما قدر الله عز وجل أن يكون هذا هكذا، خلق للإنسان كفا وأصابع مهيئة لقدح النار واستعمالها، ولم يعط البهائم مثل ذلك، لكنها اعينت بالصبر على الجفاء والخلل في المعاش لكيلا ينالها في فقد النار ما ينال الإنسان عند فقدها.
وأنبئك من منافع النار على خلقة صغيرة عظيم موقعها، وهي هذا المصباح الذي يتخذه الناس، فيقضون به حوائجهم ما شاؤوا في ليلهم ولولا هذه الخلة لكان الناس تصرف أعمارهم بمنزلة من في القبور، فمن كان يستطيع أن يكتب أو يحفظ، أو ينسج في ظلمة الليل، وكيف كان حال من عرض له وجع في وقت من أوقات الليل، فاحتاج إلى أن يعالج ضمادا أو سفوفا (1) أو شيئا يستشفى به.. فإما منافعها في نضج الأطعمة ودفاء الأبدان وتجفيف أشياء وتحليل أشياء وأشباه ذلك، 7 فأكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى.
(الصحو والمطر وتعاقبهما على العالم وفوائد ذلك) فكر يا مفضل في الصحو والمطر كيف يتعاقبان على هذا العالم لما فيه