يكن ذلك بوار كل ما في الأرض من حيوان ونبات؟ الحيوان فكان لا يهدأ ولا يقر طول هذه المدة، ولا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار، ولا الإنسان كان يفتر عن العمل والحركة، وكان ذلك ينهكها أجمع، ويؤديها إلى التلف، وأما النبات فكان يطول عليه حر النهار ووهج الشمس حتى يجف ويحترق كذلك الليل لو امتد مقدار هذه المدة كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة والتصرف في طلب المعاش، حتى تموت جوعا، وتخمد الحرارة الطبيعية عن النبات، حتى يعفن ويفسد، كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع تطلع عليه الشمس.
(الحر والبرد وفوائدهما) اعتبر بهذا الحر والبرد كيف يتعاوران (1) العالم، ويتصرفان هذا التصرف في الزيادة والنقصان والاعتدال، لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما فيهما من المصالح، ثم هما بعد دباغ الأبدان التي عليها بقاؤها وفيهما صلاحها، فإنه لولا الحر والبرد وتداولهما الأبدان لفسدت واخوت (2) وانتكثت (3).
فكر في دخول أحدهما (4) على الآخر بهذا التدريج والترسل، فإنك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شئ، والآخر يزيد مثل ذلك، حتى ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة والنقصان، ولو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأة،