مكان ذلك ما ليس فيه مأكل كمثل ما يكون في السدر (1) والدلب (2) وما أشبه ذلك. فلم صار يخرج فوقه هذه المطاعم اللذيذة، إلا ليستمتع بها الإنسان؟.
(موت الشجر وتجدد حياته وما في ذلك من ضروب التدبير) فكر في ضروب من التدبير في الشجر، فإنك تراه يموت في كل سنة موتة، فتحتبس الحرارة الغريزية في عوده، ويتولد فيه مواد الثمار ثم يحيى وينتشر، فيأتيك بهذه الفواكه نوعا بعد نوع، كما تعد نوع، كما تقدم إليك أنواع الأطبخة التي تعالج بالأيدي واحدا بعد واحد، فترى الأغصان في الشجر تتلقاك بثمارها حتى كأنها تناولكها عن يد، وترى الرياحين تتلقاك في أفنائها (3) كأنها تجئك بأنفسها، فلمن هذا التقدير إلا لمقدر حكيم وما العلة فيه إلا تفكيه الإنسان بهذه الثمار والأنوار؟.. والعجب من أناس جعلوا مكان الشكر على النعمة جحود المنعم بها.
(خلق الرمانة وأثر العمد فيه) واعتبر بخلق الرمانة وما ترى فيها من أثر العمد والتدبير، فإنك ترى فيها كأمثال التلال، من شحم مركوم في نواحيها، وحب مرصوف صفا كنحو ما ينضد بالأيدي، وترى الحب مقسوما أقساما، وكل قسم منها ملفوفا بلفائف من حجب منسوجة أعجب النسج وألطفه وقشره يضم ذلك كله.
فمن التدبير في هذه الصنعة إنه لم يكن يجوز أن يكون حشو الرمانة من الحب وحده، وذلك أن الحب لا يمد بعضه بعضا، فجعل ذلك الشحم خلال