(حيلة الطائر أبو نمرة بالحسكة ومنفعتها) فأما الطائر الصغير الذي يقال له ابن نمرة (1) فقد عشش في بعض الأوقات في بعض الشجر، فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشه فاغرة فاها، تبغيه لتبتلعه، فبينما هو يتقلب ويضطرب في طلب حيلة منها إذ وجد حسكة، فحملها فألقاها في فم الحية فلم تزل الحية تلتوي وتتقلب حتى ماتت. أفرأيت لو لم أخبرك بذلك، كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة، أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة.. اعتبر بهذا وكثير من الأشياء يكون فيها منافع لا تعرف بحادث يحدث أو خبر يسمع به.
(النحل عسله وبيوته) أنظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل، وتهيئة البيوت المسدسة وما ترى في ذلك من دقائق الفطنة، فإنك إذا تأملت العمل رأيته عجيبا لطيفا، وإذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس، وإذا رجعت إلى الفاعل الفيتة غبيا جاهلا بنفسه (2) فضلا عما سوى ذلك، ففي هذا أوضح الدلالة على أن الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها، وسخره فيها لمصلحة الناس.