ثم فكر في خلق هذه الأرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة، فتكون موطنا مستقرا للأشياء، فيتمكن الناس من السعي عليها في مأربهم، والجلوس عليها لراحتهم، والنوم لهدوئهم، والاتقان لأعمالهم فإنها لو كانت رجراجة منكفئة، لم يكونوا يستطيعون يتقنوا البناء والنجارة والصناعة وما أشبه ذلك، بل كانوا لا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم، واعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل (1) - على قله مكثها - حتى يصيروا إلى ترك منازلهم، والهرب عنها.. فإن قال قائل: فلم صارت هذه الأرض تزلزل؟
قيل له الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب لها الناس ليرعوا، وينزعوا عن المعاصي، وكذلك ما ينزل بهم البلاء في أبدانهم وأموالهم، يجري في التدبير على ما فيه صلاحهم واستقامتهم، ويدخر لهم إن صلحوا من الثواب والعوض في الآخرة ما لا يعد له شئ من أمور الدنيا، وربما عجل ذلك في الدنيا إذا كان ذلك الدنيا صلاحا للعامة والخاصة.. ثم إن الأرض في طباعها الذي طبعها الله عليه باردة يابسة، وكذلك الحجارة، وإنما الفرق بينها وبين الحجارة فضل يبس في الحجارة، أفرأيت لو أن اليبس أفرط على الأرض قليلا، حتى تكون حجرا صلدا، أكانت تنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوان، وكان يمكن بها حرث أو بناء؟؟ أفلا ترى كيف نقصت من يبس الحجارة وجعلت على ما هي عليه من اللين والرخاوة لتتهيأ للاعتماد.
(فوائد الماء والسبب في كثرته) ومن تدبير الحكيم جل وعلا في خلقه الأرض إن مهب الشمال أرفع من