منسوجة نسجا دقيقا معجما، لو كان مما يصنع بالأيدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجرة واحدة في عام كامل، ولاحتيج إلى آلات وحركة وعلاج وكلام، فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملأ الجبال والسهل وبقاع الأرض كلها بلا حركة ولا كلام، إلا بالإرادة النافذة في كل شئ والأمر المطاع..
واعرف مع ذلك العلة في تلك العروق الدقاق، فإنها جعلت تتخلل الورقة بأسرها، لتسقيها وتوصل الماء إليها، بمنزلة العروق المبثوثة في البدن، لتوصل الغذاء إلى كل جزء منه، وفي الغلاظ منها معنى آخر، فإنها تمسك الورقة بصلابتها ومتانتها، لئلا تنهتك وتتمزق، فترى الورقة شبيها بورقة معمولة بالصنعة من خرق قد جعلت فيها عيدان ممدودة في طولها وعرضها لتتماسك فلا تضطرب.. فالصناعة تحكي الخلقة وإن كانت لا تدركها على الحقيقة.
(العجم والنوى والعلة في خلقه) فكر في هذا العجم والنوى والعلة فيه، فإنه جعل في جوف الثمرة ليقوم مقام الغرس إن عاق دون الغرس عائق، كما يحرز الشئ النفيس الذي تعظم الحاجة إليه في مواضع آخر، فإن حدث على الذي في بعض المواضع منه حادث وجد في موضع آخر، ثم هو بعد يمسك بصلابته رخاوة الثمار ورقتها، ولولا ذلك لتشدخت (1) وتفسخت، وأسرع إليها الفساد وبعضه يؤكل ويستخرج دهنه، فيستعمل منه ضروب من المصالح، وقد تبين لك موضع الأرب في العجم والنوى.
فكر الآن في هذا الذي تجده فوق النواة من الرطبة، وفوق العجم من العنبة، فما العلة فيه؟ ولما ذا يخرج في هذه الهيئة؟ وقد كان يمكن أن يكون