بالعقوبة، وآخر بعض الأخيار بالثواب إلى الدار الآخرة، لأسباب تخفى على العباد لم يكن هذا مما يبطل التدبير، فإن مثل هذا قد يكون من ملوك الأرض ولا يبطل تدبيرهم، بل يكون تأخيرهم ما أخروه، وتعجيلهم ما عجلوه داخلا في صواب الرأي والتدبير وإذا كانت الشواهد تشهد، وقياسهم يوجب أن للأشياء خالقا حكيما قادرا فما يمنعه أن يدبر خلقه، فإنه لا يصلح في قياسهم أن يكون الصانع يهمل صنعته إلا بإحدى ثلاث خلال إما عجز وإما جهل وإما شرارة، وكل هذا محال في صنعته عز وجل، وتعالى ذكره، وذلك أن العاجز لا يستطيع أن يأتي بهذه الخلائق الجليلة العجيبة، والجاهل لا يهتدي لما فيها من الصواب والحكمة والشرير لا يتطاول لخلقها وإنشائها، وإذا كان هذا هكذا وجب أن يكون الخالق لهذه الخلائق يدبرها لا محالة، وإن كان لا يدرك كنه ذلك التدبير ومخارجه، فإن كثيرا من تدبير الملوك لا تفهمه العامة ولا تعرف أسبابه، لأنها لا تعرف دخيلة أمر الملوك وأسرارهم فإذا عرف سببه وجد قائما على الصواب والشاهد المحنة. ولو شككت بعض الأدوية والأطعمة فيتبين لك من جهتين أو ثلاث إنه حار أو بارد، ألم تكن ستقضي عليه بذلك وتنفي الشك فيه عن نفسك؟ فما بال هؤلاء الجهلة لا يقضون على العالم بالخلق والتدبير مع هذه الشواهد الكثيرة وأكثر منها ما لا يحصى كثرة ولو كان نصف العالم وما فيه مشكلا صوابه، لما كان من حزم الرأي وسمت (1) الأدب أن يقضي على العالم بالإهمال لأنه كان في النصف الآخر وما يظهر فيه من الصواب، واتقان ما يردع الوهم عن التسرع إلى هذه القضية، فكيف وكلما فيه إذا فتش وجد على غاية الصواب حتى لا يخطر بالبال شئ إلا وجد ما عليه الخلقة أصح وأصوب منه.
(اسم هذا العالم بلسان اليونانية) واعلم يا مفضل أن اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف