(خلق البيضة والتدبير في ذلك) إعتبر بخلق البيضة، وما فيها من المح (1) الأصفر الخاثر (2) والماء الأبيض الرقيق، فبعضه ينشو منه الفرخ، وبعضه ليغتذي به، إلى أن تنقاب عنه البيضة، وما في ذلك من التدبير، فإنه لو كان نشوء (3) الفرخ في تلك القشرة المستحفظة (4) التي لا مساغ لشئ إليها، جعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفي به إلى وقت خروجه منها، كمن يحبس في حبس حصين لا يوصل إلى من فيه، فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إلى وقت خروجه منه.
(حوصلة الطائر) فكر يا مفضل في حوصلة الطائر، وما قدر له فإن مسلك الطعم إلى القانصة (5) ضيق، لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلا قليلا، فلو كان الطائر لا يلقط حبة ثانية، حتى تصل الأولى إلى القانصة، لطال عليه، ومتى كان يستوفي طعمه؟. فإنما يختلسه اختلاسا، لشدة الحذر، فجعلت له الحوصلة كالمخلاة (6) المعلقة أمامه، ليوعى فيها ما أدرك من الطعم بسرعة، ثم تنفذه إلى القانصة على مهل، وفي الحوصلة أيضا خلة أخرى، فإن من الطائر ما يحتاج إلى أن يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب أسهل عليه.