هذا الماء الكثير المتراكم في البحار، وقلت: ما الأرب فيه؟ فعلم أنه مكتنف ومضطرب ما لا يحصى من أصناف السمك ودواب البحر ومعدن اللؤلؤ والياقوت والعنبر (1) وأصناف شتى تستخرج من البحر، وفي سواحله منابت العود اليلنجوج (2) وضروب من الطيب والعقاقير، ثم هو بعد مركب للناس، ومحمل لهذه التجارات التي تجلب البلدان البعيدة، كمثل ما يجلب من الصين إلى العراق، ومن العراق إلى الصين (3) فإن هذه التجارات، لم يكن لها محمل إلا على الظهر لبارت وبقيت بلدانها وأيدي أهلها. لأن أجر حملها يجاوز أثمانها، فلا يتعرض أحد لحملها وكان يجتمع في ذلك أمران: أحدهما فقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها والآخر انقطاع معاش من يحملها ويتعيش بفضلها.
(فوائد الهواء والسبب في كثرته) وهكذا الهواء لولا كثرته وسعته لاختنق هذا الأنام من الدخان والبخار الذي يتحير فيه، ويعجز عما يحول إلى السحاب والضباب أولا أولا، فقد تقدم من صفته ما فيه كفاية.
(منافع النار وجعلها كالمخزونة في الأجسام) والنار أيضا كذلك، فإنها لو كانت مبثوثة كالنسيم والماء كانت تحرق العالم وما فيه، ولما لم يكن بد من ظهورها في الأحايين، لغنائها في كثير من