صح للناس لخرجوا إلى غاية الكلب (1) والضراوة على الفواحش، وانتهاك المحارم، فمن كان يكف نفسه فاحشة أو يتحمل المشقة في باب من أبواب البر لوثق بأنه صائر إلى النعيم لا محالة، أو من كان يأمن على نفسه وأهله وماله من الناس لو لم يخاف الحساب والعقاب، فكان ضرر هذا الباب سينال الناس في هذه الدنيا قبل الآخرة. فيكون في ذلك تعطيل العدل والحكمة معا، وموضع للطعن على التدبير بخلاف الصواب ووضع الأمور في غير مواضعها.
(لماذا تصيب الآفات جميع وما الحجة في ذلك) وقد يتعلق هؤلاء بالآفات تصيب الناس، فتعم البر والفاجر أو يبتلي بها البر ويسلم الفاجر منها، فقالوا: كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم وما الحجة فيه؟ فيقال لهم: إن هذه الآفات وإن كانت تنال الصالح والطالح جميعا. فإن الله عز وجل جعل ذلك صلاحا للصنفين كليهما، أما الصالحون فأن الذي يصيبهم من هذا يزدهم نعم ربهم عندهم في سالف أيامهم فيحدوهم ذلك على الشكر والصبر، وأما الطالحون فإن مثل هذا إذا نالهم كسر شرتهم وردعهم عن المعاصي والفواحش، وكذلك يجعل لمن سلم منهم من الصنفين صلاحا ذلك، أما الأبرار فإنهم يغتبطون بما هم عليه البر والصلاح ويزدادون فيه رغبة وبصيرة وأما الفجار فإنهم يعرفون رأفة ربهم، وتطوله عليهم بالسلامة من غير استحقاق. فيحضهم ذلك على الرأفة بالناس، والصفح عمن أساء إليهم.. ولعل قائلا يقول: إن هذه الآفات التي تصيب الناس في أموالهم، فما قولك فيما يبتلون به في أبدانهم، فيكون فيه تلفهم كمثل الحرق والغرق والسيل والخسف؟ فيقال له إن الله جعل في هذا أيضا صلاحا للصنفين جميعا، أما الأبرار فلما لهم في مفارقة هذه الدنيا من الراحة من