وخص مع ذلك بالذهن والفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يؤمي إليه ويحكى كثيرا مما يرى الإنسان يفعله، حتى أنه يقرب من خلق الإنسان وشمائله في التدبير في خلقته على ما هي عليه. أن يكون عبرة للإنسان في نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم وسنخها (1) إذ كان يقرب من خلقها هذا القرب. وأنه لولا فضيلة فضله بها في الذهن والعقل والنطق كان كبعض البهائم على أن في جسم القرد فضولا أخرى تفرق بينه وبين الإنسان كالخطم (2) والذنب المسدل والشعر المجلل للجسم كله. وهذا لم يكن مانعا للقرد أن يلحق بالإنسان لو أعطي مثل ذهن الإنسان وعقله ونطقه والفصل الفاصل بينه وبين الإنسان - في الحقيقة - هو النقص في العقل والذهن والنطق.
(إكساء أجسام الحيوانات وخلقة أقدامها بعكس الإنسان) (وأسباب ذلك) أنظر يا مفضل إلى لطف الله جل اسمه بالبهائم كيف كسيت أجسامها هذه الكسوة من الشعر والوبر والصوف لتقيها من البرد وكثرة الآفات البست الأظلاف والحافر والاخفاف لتقيها من الحفاء (3) إذ كانت لا أيدي لها ولا أكف ولا أصابع مهيأة للغزل والنسج فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقهم باقية عليهم ما بقوا لا يحتاجون إلى تجديدها واستبدال بها.
فأما الإنسان فإنه ذو حيلة وكف مهيأة للعمل. فهو ينسج ويغزل ويتخذ لنفسه الكسوة ويستبدل بها حالا بعد حال. وله في ذلك صلاح من جهات. من ذلك أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث وما تخرجه إليه