(الحواس الخمس وأعمالها وما في ذلك من الأسرار) فلما لم يكن لها في شئ من هذه الأعضاء موضع، كان الرأس أسنى المواضع للحواس، وهو بمنزلة الصومعة لها. فجعل الحواس خمسا تلقى خمسا لكي لا يفوتها شئ من المحسوسات.. فخلق البصر ليدرك الألوان فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركها. لم تكن فيها منفعة. وخلق السمع ليدرك الأصوات، فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها، لم يكن فيها إرب، وكذلك سائر الحواس. ثم هذا يرجع متكافيا، فلو كان بصر ولم تكن الألوان، لما كان للبصر معنى، ولو كان سمع ولم تكن أصوات، لم يكن للسمع موضع.
(تقدير الحواس بعضها يلقى بعضا) فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضا، فجعل لكل حاسة محسوسا (1) يعمل فيه. ولكل محسوس (2) حاسة تدركه، ومع هذا فقد جعلت أشياء متوسطة بين الحواس والمحسوسات، لا تتم الحواس إلا بها، كمثل الضياء والهواء، فإنه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر، لم يكن البصر يدرك اللون، ولم لم يكن هواء يؤدي الصوت إلى السمع، لم يكن السمع يدرك الصوت.
فهل يخفى عليه من صح نظره وأعمل فكره، إن مثل هذا الذي وصفت من