موضع من الجو، فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها.
فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو، واعرف ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة، التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له.
(خلقة الخفاش) خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع، هو إلى ذوات الأربع أقرب، وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين (1) وأسنان ووبر وهو يلد ولادا ويرضع ويبول، ويمشي إذا مشى على أربع، وكل هذا خلاف صفة للطير، ثم هو أيضا مما يخرج بالليل، ويتقوت بما يسري (2) في الجو من الفراش وما أشبهه، وقد قال قائلون إنه لا طعم للخفاش وإن غذاءه (3) من النسيم وحده، وذلك يفسد ويبطل من جهتين: أحدهما خروج الثفل (4) والبول منه، فإن هذا لا يكون من غير طعم، والأخرى إنه ذو أسنان، ولو كان لا يطعم شيئا لم يكن للأسنان فيه معنى، وليس في الخلقة شئ لا معنى له، وأما المآرب فيه فمعروفة، حتى أن زبله يدخل في بعض الأعمال، ومن أعظم الأرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل ثناؤه، وتصرفها فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة.