وتعالى وبالدلائل والشواهد القائمة في الخلق، ومعرفة الواجب عليه، من العدل على الناس كافة. وبر الوالدين، وأداء الأمانة، ومواساة أهل الخلة، وأشباه ذلك، مما قد توجد معرفته، والإقرار، والاعتراف به في الطبع والفطرة، من كل أمة موافقة أو مخالفة، وكذلك أعطي علم ما فيه صلاح دنياه، كالزراعة والغراس، واستخراج الأرضين، واقتناء الأغنام، والأنعام واستنباط المياه، ومعرفة العقاقير التي يستشفي بها من ضروب الأسقام، والمعادن التي يستخرج منها أنواع الجواهر، وركوب السفن، والغوص في البحر، وضروب الحيل في صيد الوحش والطير والحيتان، والتصرف في الصناعات ووجوه المتاجر والمكاسب، وغير ذلك مما يطول شرحه ويكثر تعداده، مما فيه صلاح أمره في هذه الدار. فأعطي علم ما يصلح به دينه ودنياه، ومنع ما سوى ذلك، مما ليس في شأنه ولا طاقته أن يعلم. كعلم الغيب وما هو كائن. وبعض قد كان أيضا، كعلم ما فوق السماء وما تحت الأرض. وما في لجج البحار وأقطار العالم، وما في قلوب وما في الأرحام وأشباه هذا مما حجب عن الناس علمه.
وقد ادعت طائفة من الناس هذه الأمور، فأبطل دعواهم ما يبين من خطئهم، فيما يقصون عليه ويحكمون به فيما ادعوا عليه.
فانظر كيف أعطي الإنسان علم جميع ما يحتاج إليه لدينه ودنياه، وحجب عنه ما سوى ذلك، ليعرف قدره ونقصه وكلا الأمرين فيها صلاحه.
(ما ستر عن الإنسان علمه من مدة حياته) تأمل الآن يا مفضل ما ستر عن الإنسان علمه من مدة حياته، فإنه لو عرف مقدار عمره - وكان قصير العمر - لم يتهنأ بالعيش، مع ترقب الموت وتوقعه، لوقت قد عرفه، بل كان يكون بمنزلة من قد فنى ماله، أو