الله المدبرين عنه، وعبده حتى أتاه اليقين، (صلى الله عليه وآله) أوصيكم عباد الله بتقوى الله، الذي لا تبرح منه نعمة، ولا تفقد له رحمة، ولا يستغني عنه العباد، ولا تجزئ أنعمه الاعمال، الذي رغب في الآخرة، وزهد في الدنيا، وحذر عن المعاصي، وتعزز بالبقاء، وتفرد بالعز والبهاء (وذلل خلقه بالموت والفناء) (5)، وجعل الموت غاية المخلوقين، وسبيل الماضين، فهو معقود بنواصي الخلاق كلهم، حتم في رقابهم، لا يعجزه إباق الهارب، ولا يفوته ناء ولا آئب، يهدم كل لذة، ويزيل كل بهجة، ويقشع كل نعمة، عباد الله إن الدنيا دار رضي الله لأهلها الفناء، وفدر عليهم منها الجلاء، وكل ما فيها نافد، وكل من يسكنها بائد، وهي مع ذلك حلوة خضرة رائقة نضرة، قد زينت للطالب، ولاطت بقلب (6) الراغب، يطببها (7) الطامع، ويجتويها الوجل الخائف، فارتحلوا رحمكم الله منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تطلبوا منها سوى البلغة، وكونوا فيها كسفر نزلوا منزلا فتمتعوا منها بأدنى ظل، ثم ارتحلوا لشأنهم، ولا تمدوا أعينكم فيها إلى ما متع به المترفون، وأضروا فيها بأنفسكم فإن ذلك أخف للحساب وأقرب من النجاة، وإياكم والتنعم بزخارفها، والتلهي بفاكهاتها، فإن في ذلك غفلة واغترارا، الا وان الدنيا قد تنكرت وأدبرت وآذنت بوداع، الا وان الآخرة قد أقبلت وأشرفت ونادت باطلاع، الا وإن المضمار اليوم وغدا السباق، الا وإن السبقة الجنة، والغاية النار، أفلا
(١٥٦)