(لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فلما عجز هذا عن غسل رجليه سقط حكمهما، وبقى عليه ما قدر عليه من وضوء سائر أعضائه، وإذا كان كذلك فقد توضأ كما أمره الله عز وجل، ومن توضأ كما أمر الله فصلاته تامة * وأما من قال: إنه إذا قدر على الماء لزمه إنما وضوئه فرضا وقد تمت صلاته، فلو قدر على ذلك في صلاته فقد لزمه فرضا أن لا يتم ما بقي من صلاته الا بوضوء قام، والصلاة لا يحل أن يفرق بين أعمالها بما ليس منها: فقول غير صحيح، ودعوى بلا برهان، بل قد قام البرهان (1) من النص من القرآن والسنة (2) على أنه قد توضأ كما أمر، وقد تمت طهارته، وأن له أن يصلي، فمن الباطل أن يعود عليه حكم الحدث من غير أن يحدث، إلا أن يوجب ذلك نص فيوقف عنده، ولا نص في هذه المسألة يوجب عليه إعادة الوضوء، فلا يلزمه اعادته ولا غسل رجليه، لأنه على طهارة تامة، لكن يصلى بذلك الوضوء ما لم يحدث لما ذكرناه * فان قيل: قسنا ذلك على التيمم. قلنا: القياس باطل كله، ومن أين لكم إذا وجب ذلك في التيمم أن يجب في العاجز عن بعض أعضائه؟ فليس بأيديكم غير دعواكم أن هذا وجب في العاجز كما وجب في التيمم، وهذه دعوى مفتقرة إلى برهان، ومن أراد أن يعطى بدعواه فقد أراد الباطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا، لأنهم موافقون لنا على أن العاجز عن بعض أعضائه كمن ذهبت رجلاه أو نحو ذلك لا يجوز له التيمم، وأن حكمه إنما هو غسل ما بقي من وجهه وذراعيه ومسح رأسه فقط، وعن وضوءه بذلك تام وصلاته جائزة، فلما لم يجعلوا له أن يتيمم لم يجز أن يجعل له حكم التيمم (3) وهذا أصح من قياسهم. والحمد لله رب العالمين *
(١١٥)