وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون سحت، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا بأس بجوائز السلطان فإن ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام وقال لا تسأل السلطان شيئا وان اعطى فخذ، فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام قال احمد رحمه الله فيمن معه ثلاثة دراهم فيها حرام يتصدق بالثلاثة، وإن كان معه مائتا درهم فيها عشرة حرام يتصدق بالعشرة لأن هذا كثير وذاك قليل فقيل له قال سفيان: ما كان دون العشرة يتصدق به، وما كان أكثر يخرج قال نعم لا يجحف به، قال القاضي وليس هذا على سبيل التحديد وإنما هو على طريق الاختيار لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل فإنه يسهل اخراج الكل، والواجب في الموضعين اخراج قدر الحرام والباقي مباح له وهذا لأن تحريمه لم يكن لتحريم عينه وإنما حرم لتعلق حق غيره به، فإذا أخرج عوضه زال التحريم عنه كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه وسواء كان قليلا أو كثيرا، والورع اخراج ما يتيقن به اخراج عين الحرام ولا يحصل ذلك الا باخراج الجميع، لكن لما شق ذلك في الكثير ترك لأجل المشقة فيه واقتصر على الواجب، ثم يختلف هذا باختلاف الناس فمنهم من لا يكون له الا الدارهم اليسيرة فيشق اخراجها لحاجته إليها ومنهم من يكون له مال كثير فيستغني عنها فيسهل اخراجها (فصل) قد ذكرنا ان الظاهر من المذهب لا يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون. ونقع البئر في أماكنه قبل احرازه في إنائه ولا الكلأ في مواضعه قبل حيازته فعلى هذا متى باع الأرض وفيها كلا أو ماء فلا حق للبائع فيه وقد ذكرنا رواية أخرى أن ذلك مملوك وأنه يجوز بيعه فعلى هذه الرواية إن باع الأرض فذكر الماء والكلأ في البيع دخل فيه وان لم يذكره كان الماء الموجود والكلأ للبائع لأنه بمنزلة الزرع في الأرض والماء أصل بنفسه فهو كالطعام في الدار فما يتجدد بعد البيع فهو للمشتري وعلى هذه الرواية إذا باع من هذا الماء آصعا معلومة جاز لأنه كالصبرة، وان باع كل ماء البئر لم يجز لأنه يختلط بغيره، ولو باع من النهر الجاري آصعا لم يجز لأن ذلك الماء يذهب ويأتي غيره (فصل) وعلى كلتا الروايتين متى كان الماء النابع في ملكه أو الكلأ أو المعادن وفق كفايته لشربه وشرب ماشيته لم يجب عليه بذله نص عليه لأنه في ملكه، فإذا تساوى هو وغيره في الحاجة كان أحق به كالطعام، وإنما توعد النبي صلى الله عليه وسلم على منع فضل الماء ولا فضل في هذا ولان عليه في بذله ضررا ولا يلزمه نفع غيره بمضرة نفسه وإن كان فيه فضل عن شربه وشرب ماشيته وزرعه واحتاجت إليه ماشية غيره لزمه بذله بغير عوض ولكل واحد أن يتقدم إلى الماء ويشرب ويسقى ماشيته وليس لصاحبه المنع من ذلك لما روى أياس بن عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته " وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تسأل المرأة طلاق أختها ونهى أن يمنع الماء مخافة ان يرعى الكلأ، يعني إذا كان في مكان كلا وليس يمكنه الإقامة لرعيه الا بالسقي من هذا الماء فيمنعهم السقي ليتوفر الكلأ عليه، وروى أبو عبيدة باسناده عن عمر أنه قال ابن السبيل أحق بالماء من الباني عليه، وعن أبي هريرة قال: ابن السبيل أول شارب، وعن بهيسة قالت: قال
(٣٠٩)