قد روي هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن بطة في تحريم النبيذ باسناده عن محمد بن سيرين أن قيما كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبا ولا يصلح ان يباع الا لمن يعصره فأمر بقلعه وقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية فأشبه إجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزني بها والآية مخصوصة بصور كثيرة فيخص منها محل النزاع بدليلنا وقولهم تم البيع بشروطه وأركانه قلنا لكن وجد المانع منه، إذا ثبت هذا فإنما يحرم البيع ويبطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك اما بقوله واما بقرائن مختصة به تدل على ذلك فاما إن كان الامر محتملا مثل أن يشتريها من لا يعلم حاله أو من يعمل الخل والخمر معا ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز وإذا ثبت التحريم فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح وهو مذهب الشافعي لأن المحرم في ذلك اعتقاده بالعقد دونه فلم يمنع صحة العقد كما لو دلس العيب ولنا أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصنع كإجارة الأمة للزنا والغناء وأما التدليس فهو المحرم دون العقد ولان التحريم ههنا لحق الله تعالى فأفسد العقد كبيع درهم بدرهمين ويفارق التدليس فإنه لحق آدمي (فصل) وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق أو في الفتنة وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك أو إجارة داره لبيع الخمر فيها أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار وأشباه ذلك فهذا حرام والعقد باطل لما قدمنا. قال ابن عقيل وقد نص أحمد رحمه الله على مسائل نبه بها على ذلك فقال في القصاب والخباز إذا علم أن من يشتري منه يدعوا عليه من يشرب المسكر لا يبيعه، ومن يخترط الاقداح لا يبيعها ممن يشرب فيها، ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس ببيعه للنساء. وروي عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلا (فصل) قيل لأحمد رجل مات وخلف جارية مغنية وولدا يتيما وقد احتاج إلى بيعها قال يبيعها على أنها ساذجة فقيل له فإنها تساوي ثلاثين ألف درهم فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا قال لاتباع الا على أنها ساذجة، ووجه ذلك ما روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يجوز بيع المغنيات ولا أثمانهن ولا كسبهن " قال الترمذي: هذا لا نعرفه إلا من حديث علي بن يزيد وقد تكلم فيه أهل العلم ورواه ابن ماجة وهذا يحمل على بيعهن لأجل الغناء، فأما ماليتهن الحاصلة بغير الغناء فلا تبطل كما أن العصير لا يحرم بيعه لغير الخمر لصلاحيته للخمر (فصل) ولا يجوز بيع الخمر ولا التوكيل في بيعه ولا شراؤه، قال ابن المنذر أجمع العلم على أن بيع الخمر غير جائز، وقال أبو حنيفة يجوز للمسلم أن يوكل ذميا في بيعها وشرائها وهو غير صحيح فإن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حرمت التجارة في الخمر " وعن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول " ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال " لا، هو حرام " ثم قال رسول صلى الله عليه وسلم " قاتل الله اليهود إن الله تعالى حرم عليهم شحومها فجملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه " متفق عليه. ومن وكل في بيع الخمر وأكل ثمنه فقد أشبههم في ذلك ولان الخمر نجسة محرمة يحرم
(٢٨٤)