إذا التاجر الهندي جاء بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري قال فتح وشاهد ما فيه جاز بيعه وإن لم يشاهده لم يجز بيعه للجهالة وقد قال بعض الشافعية يجوز لأن بقاءه في فأره مصلحة له فإنه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته فأشبه ما مأكوله في جوفه. ولنا انه يبقى خارج وعائه من غير ضرر وتبقى رائحته فلم يجز بيعه مستورا كالدر في الصدف وأما مأكوله في جوفه فاخراجه يفضي إلى تلفه والتفصيل في بيعه مع وعائه كالتفصيل في بيع السمن في ظرفه ومن ذلك البيض في الدجاج والنوى في التمر لا يجوز بيعهما للجهل بهما ولا نعلم في هذا خلافا نذكره (فصل) فأما بيع الأعمى وشراؤه فإن أمكنه معرفة المبيع بالذوق إن كان مطعوما أو بالشم إن كان مشموما صح بيعه وشراؤه، وإن لم يمكن جاز بيعه كالبصير وله خيار الخلف في الصفة، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأثبت أبو حنيفة له الخيار إلى معرفته بالمبيع إما بحسه أو ذوقه أو وصفه، وقال عبيد الله بن الحسن شراؤه جائز وإذا أمر إنسانا بالنظر إليه لزمه، وقال الشافعي لا يجوز إلا على الوجه الذي يجوز فيه بيع المجهول أو يكون قد رآه بصيرا ثم اشتراه قبل مضي زمن يتغير المبيع فيه لأنه مجهول الصفة عند العاقد فلم يصح كبيع البيض في الدجاج والنوى في التمر. ولنا أنه يمكن الاطلاع على المقصود ومعرفته فأشبه بيع البصير ولان إشارة الأخرس تقوم مقام نطقه فكذلك شم الأعمى وذوقه وأما البيض والنوى فلا يمكن الاطلاع عليه ولا وصفه بخلاف مسئلتنا {مسألة} قال (وبيع عسب الفحل غير جائز) عسب الفحل ضرابه وبيعه أخذ عوضه وتسمى الأجرة عسب الفحل مجازا وإجارة الفحل للضراب حرام والعقد فاسد، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك جوازه قال ابن عقيل:
ويحتمل عندي الجواز لأنه عقد على منافع الفحل ونزوه وهذه منفعة مقصودة والماء تابع والغالب حصوله عقيب نزوه فيكون كالعقد على الظئر ليحصل اللبن في بطن الصبي. ولنا ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع عسب الفحل رواه البخاري، وعن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل رواه مسلم ولأنه مما لا يقدر على تسليمه فأشبه إجازة الآبق ولان ذلك متعلق باختيار الفحل وشهوته ولان المقصود هو الماء وهو مما لا يجوز إفراده بالعقد وهو مجهول، وإجارة الظئر خولف فيه الأصل لمصلحة بقاء الآدمي فلا يقاس عليه ما ليس مثله، فعلى هذا إذا أعطى أجرة لعسب الفحل فهو حرام على الآخذ لما ذكرنا ولا يحرم على المعطي لأنه بذل بذلك ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه ولا يمتنع هذا كما في كسب الحجام فإنه خبيث، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي حجمه وكذلك أجرة الكسح، والصحابة أباحوا شراء المصاحف وكرهوا بيعها، وإن أعطى صاحب الفحل هدية أو أكرمه من غير إجارة جاز، وبه قال الشافعي لما روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا كان إكراما فلا بأس " ولأنه سبب مباح فجاز أخذ الهدية عليه كالحجامة، وقال أحمد في رواية ابن القاسم: لا يأخذ. فقيل له ألا يكون مثل الحجام يعطي وإن كان منهيا عنه؟ فقال لم يبلغنا