يثبت له الخيار اختاره ابن عقيل وهو ظاهر مذهب الشافعي لعموم قوله " من اشترى مصراة ومن اشترى محفلة " ولأنه تصرية بما يختلف الثمن به فأثبت الخيار كتصرية بهيمة الأنعام وذلك أن لبن الآدمية يراد للرضاع ويرغب فيها ظئرا ويحسن ثديها ولذلك لو اشترط كثرة لبنها فبان بخلافه ملك الفسخ ولو لم يكن مقصودا لما ثبت باشتراطه ولا ملك الفسخ بعدمه ولان الأتان والفرس يرادان لولدهما (والثاني) لا يثبت به الخيار لأن لبنها لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد لبن بهيمة الأنعام والخبر ورد في بهيمة الأنعام ولا يصح القياس عليه لأن قصد لبن بهيمة الأنعام أكثر واللفظ العام أريد به الخاص بدليل انه أمر في ردها بصاع من تمر ولا يجب في لبن غيرها ولأنه ورد عاما وخاصا في قضية واحدة فيحمل العام على الخاص ويكون المراد بالعام في أحد الحديثين الخاص في الحديث الآخر، وعلى الوجه الأول إذا ردها لم يلزم بدل لبنها ولا يرد معها شيئا لأن هذا اللبن لا يباع عادة ولا يعاوض عنه.
(فصل) وكل تدليس يختلف الثمن لأجله مثل أن يسود شعر الجارية أو يجعده أو يحمر وجهها أو يضمر الماء على الرحا ويرسله عند عرضها على المشترى يثبت الخيار لأنه تدليس بما يختلف الثمن باختلافه فأثبت الخيار كالتصرية، وبهذا قال الشافعي ووافق أبو حنيفة في تسويد الشعر وقال في تجعيده لا يثبت به الخيار لأنه تدليس بما ليس بعيب أشبه ما لو سود أنامل العبد ليظنه كاتبا أو حدادا ولنا أنه تدليس بما يختلف به الثمن أشبه تسويد الشعر وأما تسويد الأنامل فليس بمختص بكونه كاتبا لأنه يحتمل أن يكون قد ولع بالدواة أو كان غلاما لكاتب يصلح له الدواة فظنه كاتبا طمع لا يستحق به فسخا، فإن حصل هذا من غير تدليس مثل أن اجتمع اللبن في الضرع من غير قصد أو احمر وجه الجارية لخجل أو تعب أو تسود شعرها شئ وقع عليه فقال القاضي: له الرد أيضا لدفع الضرر اللاحق بالمشترى والضرر واجب الدفع سواء قصدا أو لم يقصد فأشبه العيب، ويحتمل أن لا يثبت الخيار لحمرة وجهها بخجل أو تعب لأنه يحتمل ذلك فيتعين ظنه من خلقته الأصلية طمعا فأشبه شواد أنامل العبد.
(فصل) فإن علف الشاة فملا خواصرها وظن المشترى أنها حامل أو سود أنامل العبد أو ثوبه يوهم أنه كاتب أو حداد أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظن أنها كثيرة اللبن لم يكن له خيار لأن هذا لا يتعين للجهة التي ظنها فإن امتلاء البطن قد يكون لاكل أو شرب أو غيرهما وسواد أنامل العبد قد يكون لولع بالدواة أو لكونه شارعا في الكتابة أو غلاما لكاتب فحمله على أنه كاتب من باب الطمع فلا يثبت خيارا (فصل) وإذا أراد امساك المدلس وأخذ الأرش لم يكن له أرش لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل له في المصراة أرشا وإنما خيره في شيئين قال " ان شاء أمسك وان شاء ردها وصاعا من تمر " ولان المدلس ليس بعيب فلم يستحق من أجله عوضا وان تعذر عليه الرد بتلف فعليه الثمن لأنه تعذر عليه