(فصل) فإن قلنا هي فسخ جازت قبل القبض وبعده، وقال أبو بكر: لا بد فيها من كيل ثان ويقوم الفسخ مقام البيع في إيجاب كيل ثان كقيام فسخ النكاح مقام الطلاق في العدة، ولنا أنه فسخ للبيع فجاز قبل القبض كالرد بالعيب والتدليس والفسخ بالخيار أو اختلاف المتبايعين، وفارق العدة فإنها اعتبرت للاستبراء والحاجة داعية إليه في كل فرقة بعد الدخول بخلاف مسئلتنا. فإن قلنا هي بيع لم يجز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض لأن بيعه من بائعه قبل قبضه لا يجوز كما لا يجوز من غيره ولا يستحق بها الشفعة ان كانت فسخا لأنها رفع للعقد وإزالة له، وليست بمعاوضة فأشبهت سائر الفسوخ ومن حلف لا يبيع فأقال لم يحنث، ولو كانت بيعا استحقت بها الشفعة وحنث الحالف على ترك البيع بفعلها كسائر أنواع البيع، ولا تجوز إلا بمثل الثمن سواء قلنا هي فسخ أو بيع لأنها خصت بمثل الثمن كالتولية، وفيه وجه آخر أنها تجوز بأكثر من الثمن الأول وأقل منه إذا قلنا إنها بيع كسائر البياعات فإن قلنا لا تجوز إلا بمثل الثمن الأول فأقال بأقل منه أو أكثر لم تصح الإقالة وكان الملك باقيا للمشتري وبهذا قال الشافعي، وحكي عن أبي حنيفة أنها تصح بالثمن الأول ويبطل الشرط لأن لفظ الإقالة اقتضى مثل الثمن والشرط ينافيه فبطل وبقي الفسخ على مقتضاه كسائر الفسوخ، ولنا أنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل فبطل كبيع درهم بدرهمين ولان القصد بالإقالة رد كل حق إلى صاحبه فإذا شرط زيادة أو نقصانا أخرج العقد عن مقصوده فبطل كما لو باعه بشرط أن لا يسلم إليه، ويفارق سائر الفسخ لأنه لا يعتبر فيه الرضا منهما بل يستقل به أحدهما فإذا شرط عليه شئ لم يلزمه لتمكنه من الفسخ بدونه، وان شرط لنفسه شيئا لم يلزمه أيضا لأنه لا يستحق أكثر من الفسخ، وفي مسئلتنا لا تجوز الإقالة الا برضاهما وإنما رضي بها أحدهما مع الزيادة أو النقص فإذا أبطلنا شرطه فات رضاه فتبطل الإقالة لعدم رضاه بها.
{مسألة} قال (ومن اشترى صبرة طعام لم يبعها حتى ينقلها) هذه المسألة تدل على حكمين (أحدهما) إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا وقد نص عليه أحمد ودل عليه قول ابن عمر: كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه متفق عليه، ولأنه معلوم بالرؤية فصح بيعه كالثياب والحيوان، ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة فإن ذلك يشق لكون الحب بعضه على بعض ولا يمكن بسطها حبة حبة ولان الحب تتساوى أجزاؤه في الظاهر فاكتفي برؤية ظاهره بخلاف الثوب فإن نشره لا يشق ولم تختلف أجزاؤه ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرق وهو الرؤية وكذلك لو قال بعتك نصف هذه الصبرة أو ثلثها أو جزءا منها معلوما جاز لأن ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه كالحيوان، ولان جملتها معلومة