كانت بقضاء القاضي تنفذ ولا تنقض لما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وأما شرائط الاستحباب فأنواع (منها) أن يكون عدلا أمينا عالما بالقسمة لأنه لو كان غير عدل خائنا أو جاهلا بأمور القسمة يخاف منه الجور في القسمة لا يجوز (ومنها) أن يكون منصوب القاضي لان قسمة غيره لا تنفذ على الصغير والغائب ولأنه أجمع لشرائط الأمانة والأفضل أن يرزقه من بيت المال ليقسم للناس من غير أجر عليهم لان ذلك أرفق بالمسلمين فإن لم يمكنه أن يرزقه من بيت المال يقسم لهم باجر عليهم ولكن ينبغي للقاضي أن يقدر له أجرة معلومة كيلا يتحكم على الناس ولو أراد الناس أن يستأجروا قساما آخر غير الذي نصبه القاضي لا يمنعهم القاضي عن ذلك ولا يجبرهم على أن يستأجروا قساما لأنه لو فعل ذلك لعله لا يرضى الا بأجرة كثيرة فيتضرر الناس وكذا لا يترك القسامين يشتركون في القسم لما قلنا (ومنها) المبالغة في تعديل الانصباء والتسوية بين السهام بأقصى الامكان لئلا يدخل قصور في سهم وينبغي أن لا يدع حقا بين شريكين غير مقسوم من الطريق والمسيل والشرب الا إذا لم يمكن وينبغي أن لا يضم نصيب بعض الشركاء إلى بعض الا إذا رضوا بالضم لأنه يحتاج إلى القسمة ثانيا وينبغي أن لا يدخل في قسمة الدار ونحوها الدراهم الا إذا كان لا يمكن القسمة الا كذلك لان محل القسمة الملك المشترك ولا شركة في الدراهم فلا يدخلها في القسمة الا عند الضرورة والله سبحانه وتعالى الموفق (ومنها) أن يقرع بينهم بعد الفراغ من القسمة ويشترط عليهم قبول من خرج سهمه أولا فله هذا السهم من هذا الجانب من الدار ومن خرج سهمه بعده فله السهم الذي يليه هكذا ثم يقرع بينهم لا لان القرعة يتعلق بها حكم بل لتطييب النفوس ولورود السنة بها ولان ذلك أنفى للتهمة فكان سنة والله سبحانه وتعالى أعلم وإذا قسم بأجر فأجرة القسمة على عدد الرؤس عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما رحمهما الله على قدر الانصباء (وجه) قولهما ان أجرة القسمة من مؤنات الملك فيتقدر بقدره كالنفقة (وجه) قول أبي حنيفة عليه الرحمة ان الأجرة بمقابلة العمل وعمله في حق الكل على السواء فكانت الأجرة عليهم على السواء وهذا لان عمله تمييز الانصباء والتمييز عمل واحد لان تمييز القليل من الكثير هو بعينه تمييز الكثير من القليل والتفاوت في شئ واحد محال وإذا لم يتفاوت العمل لا تتفاوت الأجرة بخلاف النفقة لأنها بمقابلة الملك والملك يتفاوت فهو الفرق والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى المقسوم له فأنواع (منها) أن لا يلحقه ضرر في أحد نوعي القسمة دون النوع الآخر وبيان ذلك ان القسمة نوعان قسمة جبر وهي التي يتولاها القاضي وقسمة رضا وهي التي يفعلها الشركاء بالتراضي وكل واحد منهما على نوعين قسمة تفريق وقسمة جمع (أما) قسمة التفريق فنقول وبالله تعالى التوفيق ان الذي تصادفه القسمة لا يخلو من أحد وجهين (اما) أن لا يكون مما لا ضرر في تبعيضه بالشريكين أصلا بل لهما فيه منفعة (واما) أن يكون مما في تبعيضه مضرة فإن كان مما لا مضرة في تبعيضه أصلا بل فيه منفعة للشريكين كالمكيل والموزون والعددي المتقارب فتجوز قسمة التفريق فيها قسمة جبر كما تجوز فيها قسمة الرضا لتحقق ما شرع له القسمة وهو تكميل منافع الملك وإن كان مما في تبعيضه ضرر فلا يخلو من أحد وجهين (اما) أن يكون فيه ضرر بكل واحد منهما (واما) أن يكون فيه ضرر بأحدهما نفع في حق الآخر فإن كان في تبعيضه ضرر بكل واحد منهما فلا تجوز قسمة الجبر فيه وذلك نحو اللؤلؤة الواحدة والياقوتة والزمردة والثوب الواحد والسرج والقوس والمصحف الكريم والقباء والجبة والخيمة والحائط والحمام والبيت الصغير والحانوت الصغير والرحى والفرس والجمل والبقرة والشاة لان القسمة في هذه الأشياء قسمة اضرار بالشريكين جميعا والقاضي لا يملك الجبر على الاضرار وكذلك النهر والقناة والعين والبئر لما قلنا فإن كان مع ذلك أرض قسمت الأرض وتركت البئر والقناة على الشركة (فاما) إذا كانت أنهار الأرضين متفرقة أو عيونا أو آبارا قسمت الآبار والعيون لأنه لا ضرر في القسمة وكذا الباب والساحة والخشبة إذا كان في قطعهما ضرر فإن كانت الخشبة كبيرة يمكن تعديل القسمة فيها من غير ضرر جازت وتجوز قسمة الرضا في هذه الأشياء بان يقتسماها بأنفسهما بتراضيهما لأنهما يملكان الاضرار بأنفسهما مع ما أن ذلك لا يخلو عن نوع نفع ومالا تجرى
(١٩)