وأما الفئ فهو اسم لما لم يوجب عليه المسلمون بخيل ولا ركاب نحو الأموال المبعوثة بالرسالة إلى امام المسلمين والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب ولا خمس فيه لأنه ليس بغنيمة إذ هي للمأخوذ من الكفرة على سبيل القهر والغلبة ولم يوجد وقد كان الفئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يتصرف فيه كيف شاء يختصه لنفسه أو يفرقه فيمن شاء قال الله تعالى عز شأنه وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت خالصة له وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في الكراع والسلاح ولهذا كانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت لم يوجب عليها الصحابة رضي الله عنهم من خيل ولا ركاب فإنه روى أن أهل فدك لما بلغهم أهل خيبر انهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجليهم ويحقن دماءهم ويخلوا بينه وبين أموالهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحوه على النصف من فدك فصالحهم عليه الصلاة والسلام على ذلك ثم الفرق بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأئمة في المال المبعوث إليهم من أهل الحرب أنه يكون لعامة المسلمين وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ان الامام إنما أشرك قومه في المال المبعوث إليه من أهل الحرب لان هيبة الأئمة بسبب قومهم فكانت شركة بينهم (وأما) هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت بما نصر من الرعب لا بأصحابه كما قال عليه الصلاة والسلام نصرت بالرعب مسيرة شهرين لذلك له ان يختص لنفسه والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا إذا دخل حربي في دار الاسلام بغير أمان فاخذه واحد من المسلمين يكون فيأ لجماعة المسلمين ولا يختص به الا آخذ عند أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يكون للآخذ خاصة (وجه) قولهما ان سبب الملك وجد من الا آخذ خاصة فيختص بملكه كما إذا دخلت طائفة من أهل الحرب دار الاسلام فاستقبلتها سرية من أهل الاسلام فاخذتها انهم يختصون بملكها والدليل عن أن سبب الملك وجد من الا آخذ خاصة ان السبب هو الاخذ والاستيلاء هو اثبات اليد وقد وجد ذلك حقيقة من الآخذ خاصة وأهل الدار إن كانت لهم يد لكنها يد حكيمة ويد الحربي حقيقة لأنه حر والحر في يد نفسه واليد الحكيمة لا تصلح مبطلة لليد الحقيقية لأنها دونها ونقض الشئ بما هو مثله أو بما هو فوقه لا بما هو دونه فاما يد الآخذ فيد حقيقة وهي محقة ويد الحربي مبطلة فجاز ابطالها بها (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه انه وجد سبب ثبوت الملك لعامة المسلمين في محل قابل للملك وهو المباح فيصير ملكا للكل كما إذا استولى جماعة على صيد وإنما قلنا ذلك لأنه كلما دخل دار الاسلام فقد ثبت يد أهل الدار عليه لان الدار في أيديهم فما في الدار يكون في أيديهم أيضا ولهذا قلنا إنه لا يثبت الملك للغانمين في الغنائم ما داموا في دار الحرب كهذا ههنا قوله يد أهل الدار يد حكمية ويد الحربي حقيقية فلا تبطلها قلنا ويد أهل الدار حقيقية أيضا لان المعنى من اليد في هذه الأبواب القدرة من حيث سلامة الأسباب والآلات ولأهل الدار آلات سليمة لو استعملوها في التصرف عليه لحدثت لهم بمجرى العادة قدرة حقيقية على وجه لا يمكنهم مقاومتهم ومعارضتهم مع ما انه إذا ثبت يد الآخذ عليه حقيقة فقد ثبت يد أهل الدار لان يده يد أهل الدار لان أهل دار الاسلام كلهم منعة واحدة فإنهم يذبون عن دين واحد فكانت يده يد الكل معنى كما إذا دخل الغزاة دار الحرب فاخذوا منهم شيئا من أموال الكفرة فان المأخوذ يكون غنيمة مقسومة بين الكل كذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما السريتان إذا التقتا في دار الاسلام فأخذ منها سرية الامام فإنما اختصوا بملكها للحاجة والضرورة وهي ان بالامام حاجة إلى بعث السريا لحراسة الحوزة وحماية البيضة عن شر الكفرة إذ الكفرة يقصدون دار الاسلام والدخول في حدودها بغتة فإذا علموا ببعث السرايا وتهيئهم للذب عن حريم الاسلام قطعوا الأطماع فبقيت البيضة محروسة فلو لم يختصوا بالمأخوذ لما انقاد طبعهم لكفاية هذا الشغل فتمتد أطماع الكفرة إلى دار الاسلام ولهذا إذا نفل الامام سرية فأصابوا شيئا يختصون به لوقوع الحاجة إلى التنفيل لاختصاص بعض الغزاة بزيادة
(١١٦)