الحكم لكل في نفسه لاختلاف سبب الوجوب وتأويله اما أن تعذب من ظلم أو تتخذ الحسن فيمن آمن وعمل صالحا ألا ترى إلى قوله أما من ظلم فسوف نعذبه الآية وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى الآية وقطع الطريق متنوع في نفسه وإن كان متحدا من حيث الذات قد يكون بأخذ المال وحده وقد يكون بالقتل لا غير وقد يكون بالجمع بين الامرين وقد يكون بالتخويف لا غير فكان سبب الوجوب مختلفا فلا يحمل على التخيير بل على بيان الحكم لكل نوع أو يحتمل هذا ويحتمل ما ذكرتم فلا يكون حجة مع الاحتمال وإذا لم يمكن صرفت الآية الشريفة إلى ظاهر التخيير في مطلق المحارب فاما أن يحمل على الترتيب ويضمر في كل حكم مذكور نوع من أنواع قطع الطريق كأنه قال سبحانه وتعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ان أخذوا المال وقتلوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ان أخذوا المال لاغير أو ينفوا من الأرض ان أخافوا هكذا ذكر سيدنا جبريل عليه الصلاة والسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع أبو بردة رضي الله عنه بأصحابه الطريق على أناس جاؤوا يريدون الاسلام أن من قتل قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن قتل وأخذ المال صلب ومن جاء مسلما هدم الاسلام ما كان قبله من الشرك والى هذا التأويل يذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي واما ان يعمل بظاهر التخيير بين الا جزية الثلاثة لكن في محارب خاص وهو الذي أخذ المال وقتل فكان العمل بظاهر التخيير على هذا الوجه أقرب من ظاهر الآية لان الله تبارك وتعالى جمع بين القتل وقطع الطريق في الذكر بقوله تبارك وتعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا فالمحاربة هي القتل والفساد في الأرض هو قطع الطريق فأوجب سبحانه وتعالى أحد الا جزية من الفعلين بما ذكر وفيه عمل بحقيقة حرف التخيير وعمل بحقيقة ما أضيف إليه الجزاء وهو ما ذكر سبحانه وتعالى من المحاربة والسعي في الأرض بالفساد فكان أقرب إلى ظاهر الآية إلى هذا التأويل يذهب الحسن وابن المسيب ومجاهد وغيرهم رضي الله عنهم ثم أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أخذا بالتأويل الأول وهو تأويل الترتيب في المحارب إذا أخذ المال وقيل إنه يقتل لا غير لان سيدنا جبريل عليه الصلاة والسلام ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما مر وحد قطاع الطريق لم يعرف الا بهذا النص ولان أخذ المال والقتل جناية واحدة وهي جناية قطع الطريق فلا يقابل الا بعقوبة واحدة والقتل والقطع عقوبتان على أنهما إن كانت ا جنايتين يجب بكل واحدة منهما جزاء عند الانفراد حقا لله تعالى لكنهما إذا اجتمعا يدخل ما دون النفس في النفس كالسارق إذا زنى وهو محصن وكمن زنا وهو غير محصن ثم أحصن فزنى انه يرجم لا غير كذا ههنا ولأنه لا فائدة في إقامة القطع لان ما هو المقصود من الحد وهو الزجر وما هو غير مقصود به وهو التكفير يحصل بالقتل وحده فلا يفيد القطع فلا يشرع وأبو حنيفة رحمه الله أخذ بالتأويل الثاني وهو التخيير بين الا جزية الثلاثة في المحارب الذي جمع بين أخذ بالمال والقتل وهو أحق التأويلين للآية لما ذكرنا ان فيه عملا بحقيقة حرف التخيير وبحقيقة ما أضيف إليه الجزاء وهو المحاربة والسعي في الأرض بالفساد فكان أقرب إلى ظاهر الآية وإنما عرفنا حكم أخذ المال وحده وحكم القتل وحده لا بهذه الآية الشريفة ولكن بحديث سيدنا جبريل عليه الصلاة والسلام أو غيره أو بالاستدلال بحالة الاجتماع وهو انه لما وجب الجمع بين الموجبين عند وجود القطعين يجب القبول بافراد كل واحد منهما عند الانفراد ويمكن أن يقال إنه يقول في تأويل الآية الكريمة بالترتيب فيوجب الصلب بظاهر الآية الشريفة والقطع بالاستدلال بحالة الانفراد انه يجب على كل واحد منهما فعند الاجتماع يجب ان يجمع الا ان في بعض المواضع قام دليل اسقاط الأخف ولم يقم ههنا بل قام دليل الوجوب لان مبنى هذا الباب على التغليظ ألا ترى انه يجمع بين قطع اليد والرجل في أخذ المال ولا يجمع بينهما في أخذ المال في المصر وكذلك يصلب في القتل وحده ههنا ولم يجب ان يصلب في غيره من القتل في المصر فكذا جاز ان يجمع بين الموجبين عند مباشرة النوعين ههنا دون سائر المواضع والله سبحانه
(٩٤)