رضي الله عنهم واما فيما لم يخاصم فيه فقد اختلفوا قال أبو حنيفة رحمه الله لا ضمان عليه في شئ من السرقات خاصموا أو لم يخاصموا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يضمن في السرقات كلها الا فيما خوصم (وجه) قولهما ان المسروق منه مخير بين ان يدعى المال يستوفى حقه وهو الضمان وبين ان يدعى السرقة ليستوفى في حق الله سبحانه وتعالى وهو القطع ولا ضمان له فكان سقوط الضمان مبنيا على دعوى السرقة والخصومة فيها فمن خاصم منهم فقد وجد منه ما يوجب سقوط الضمان ومن لم يخاصم لم يوجد منه المسقط فيبقى حقه في الضمان كما كان ولأبي حنيفة رحمه الله ان النافي للضمان هو القطع والقطع وقع للسرقات كلها فينفي الضمان في السرقات كلها هذا إذا كان المسروق هالكا اما إذا كان قائما رد كل مسروق إلى صاحبه لان القطع ينفى الضمان لا الرد ومنها انه لا يحتمل العفو حتى لو أمر الامام بقطع السارق فعفا عنه المسروق منه كان عفوه باطلا لان صحة العفو يعتمد كون المعفو عنه حقا للعافي والقطع خالص حق الله سبحانه وتعالى لا حق ال؟؟ د فيه فلا يصح عفوه والله سبحانه وتعالى أعلم واما محل إقامة هذا الحكم فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان أصل المحل ومراعاة الترتيب فيه والثاني في بيان موضع إقامة الحكم منه اما الأول فاصل المحل عند أصحابنا طرفان فقط وهما اليد اليمنى والرجل اليسرى فتقطع اليد اليمنى في السرقة الأولى وتقطع الرجل اليسرى في السرقة الثانية ولا يقطع بعد ذلك أصلا ولكنه يضمن السرقة ويعزر ويحبس حتى يحدث توبة عندنا وعند الشافعي رحمه الله الأطراف الأربعة محل القطع على الترتيب فتقطع اليد اليمنى في المرة الأولى وتقطع الرجل اليسرى في المرة الثانية وتقطع اليد اليسرى في المرة الثالثة وتقطع الرجل اليمنى في السرقة الرابعة احتج الشافعي رحمه الله بقوله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما والأيدي اسم جمع والاثنان فما فوقهما جماعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله تعالى ان تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وانه لم يكن لكل واحد الا قلب واحد الا ان الترتيب في قطع الأيدي ثبت بدليل آخر وهذا لا يخرج اليد اليسرى من أن تكون محلا للقطع في الجملة وروى أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه قطع سارق حلي أسماء وكان أقطع اليد والرجل (ولنا) ما روى أن سيدنا عليا رضي الله عنه أتى بسارق فقطع يده ثم أتى به الثانية وقد سرق فقطع رجله ثم أتى به الثالثة وقد سرق فقال لا أقطعه ان قطعت يده فبأي شئ يأكل بأي شئ يتمسح وان قطعت رجله بأي شئ يمشى انى لأستحي من الله الله فضربه بخشبة وحبسه وروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه أتى بسارق أقطع اليد والرجل قد سرق نعالا يقال له سدوم وأراد ان يقطعه قال له سيدنا علي رضي الله عنه إنما عليه قطع يد ورجل فحبسه سيدنا عمر رضي الله عنه ولم يقطعه وسيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما لم يزيدا في القطع على قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل انه أنكر عليهما منكر فيكون اجماعا من الصحابة رضي الله عنهم (ولنا) أيضا دلالة الاجماع والمعقول اما دلالة الاجماع فهي انا أجمعنا على أن اليد اليمنى إذا كانت مقطوعة لا يعدل إلى اليد اليسرى بل إلى الرجل اليسرى ولو كان لليد اليسرى مدخلا في القطع لكان لا يعدل الا إليها لأنها منصوص عليها ولا يعدل عن المنصوص عليه إلى غيره فدل العدول إلى الرجل اليسرى لا إليها على أنه لا مدخل لها في القطع بالسرقة أصلا وهذا النوع من الاستدلال ذكره الكرخي رحمه الله واما المعقول فهو ان في قطع اليد اليسرى تفويت جنس منفعة من منافع النفس أصلا وهي منفعة البطش لأنها تفوت بقطع اليد اليسرى بعد قطع اليمنى فتصير النفس في حق هذه المنفعة هالكة فكان قطع اليد اليسرى اهلاك النفس من وجه وكذا قطع الرجل اليمنى بعد قطع الرجل اليسرى تفويت منفعة المشي لان منفعة المشي تفوت بالكلية فكان قطع الرجل اليمنى اهلاك النفس من كل وجه واهلاك النفس من كل وجه لا يصلح حدا في السرقة كذا اهلاك النفس من وجه لان الثابت من وجه ملحق بالثابت من كل وجه في الحدود احتياطا ولا حجة له في الآية الشريفة لان ابن مسعود رضي الله عنه قرأ فاقطعوا أيمانها ولا يظن بمثله ان يقرأ ذلك من تلقاء نفسه بل سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قراءته مخرج التفسير لمبهم الكتاب العزيز وهكذا روى عن عبد الله بن
(٨٦)