القبض لان القرض هو القطع في اللغة سمى هذا العقد قرضا لما فيه من قطع طائفة من ماله وذلك بالتسليم إلى المستقرض فكان مأخذ الاسم دليلا على اعتبار هذا الشرط ومنها أن يكون مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة فلا يجوز قرض مالا مثل له من المذروعات والمعدودات المتقاربة لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين ولا إلى ايجاب رد القيمة لأنه يؤدى إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف تقويم المقومين فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل فيختص جوازه بما له مثل ولا يجوز القرض في الخبز لا وزنا ولا عددا عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد يجوز عددا وما قالاه هو القياس لتفاوت فاحش بين خبر وخبر لاختلاف العجن والنضج والخفة والثقل في الوزن والصغر والكبر في العدد ولهذا لم يجز السلم فيه بالاجماع فالقرض أولى لان السلم أوسع جوازا من القرض والقرض أضيق منه ألا ترى انه يجوز السلم في الثياب ولا يجوز القرض فيها فلما لم يجز السلم فيه فلان لا يجوز القرض أولى الا ان محمد رحمه الله استحسن في جوازه عددا لعرف الناس وعادتهم في ذلك وترك القياس لتعامل الناس فيه هكذا روى عن إبراهيم النخعي رحمه الله انه جوز ذلك فإنه روى أنه سئل عن أهل بيت يقرضون الرغيف فيأخذون أصغر أو كبر فقال لا بأس به ويجوز القرض في الفلوس لأنها من العدديات المتقاربة كالجوز والبيض ولو استقرض فلوسا فكسدت فعليه مثلها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله عليه قيمتها (وجه) قولهما أن الواجب في باب القرض رد مثل المقبوض وقد عجز عن ذلك لان المقبوض كان ثمنا وقد بطلت الثمنية بالكساد فعجز عن رد المثل فيلزمه رد القيمة كما لو استقرض رطبا فانقطع عن أيدي الناس أنه يلزمه قيمته لما قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة ان رد المثل كان واجبا والفائت بالكساد ليس الا وصف الثمنية وهذا وصف لا تعلق لجواز القرض به ألا ترى انه يجوز استقراضه بعد الكساد ابتداء وان خرج من كونه ثمنا فلان يجوز بقاء القرض فيه أولى لان البقاء أسهل وكذلك الجواب في الدراهم التي يغلب عليها الغش لأنها في حكم الفلوس وروى عن أبي يوسف انه أنكر استقراض الدراهم المكحلة والمزيفة وكره انفاقها وإن كانت تنفق بين الناس لما في ذلك من ضرورات العامة وإذا نهى عنها وكسدت فهي بمنزلة الفلوس إذا كسدت ولو كان له على رجل دراهم جياد فأخذ منه مزيفة أو مكحلة أو زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة جاز في الحكم لأنه يجوز بدون حقه فكان كالحط عن حقه الا انه يكره له ان يرضى به وان ينفقه وان بين وقت الانفاق لا يخلو عن ضرر العامة بالتلبيس والتدليس قال أبو يوسف كل شئ من ذلك لا يجوز بين الناس فإنه ينبغي أن يقطع ويعاقب صاحبه إذا أنفقه وهو يعرفه وهذا الذي ذكره احتساب حسن في الشريعة ولو استقرض دراهم تجارية فالتقيا في بلد لا يقدر فيه على التجارية فإن كانت تنفق في ذلك البلد فصاحب الحق بالخيار ان شاء انتظر مكان الأداء وان شاء أجله قدر المسافة ذاهبا وجائيا واستوثق منه بكفيل وان شاء أخذ القيمة لأنها إذا كانت نافقة لم تتغير بقيت في الذمة كما كانت وكان له الخيار ان شاء لم يرض بالتأخير وأخذ القيمة لما في التأخير من تأخير حقه وفيه ضرر به كمن عليه الرطب إذا انقطع عن أيدي الناس انه يتخير صاحبه بين التربص والانتظار لوقت الادراك وبين أخذ القيمة لما قالوا كذا هذا وإن كان لا ينفق في ذلك البلد فعليه قيمتها والله تعالى أعلم (وأما) الذي يرجع إلى نفس القرض فهو ان لا يكون فيه جر منفعة فإن كان لم يجز نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة على أن يرد عليه صحاحا أو أقرضه وشرط شرطا له فيه منفعة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن قرض جر نفعا ولان الزيادة المشروطة تشبه الربا لأنها فضل لا يقابله عوض والتحرز عن حقيقة الربا وعن شبهة الربا واجب هذا إذا كانت الزيادة مشروطة في القرض فاما إذا كانت غير مشروطة فيه ولكن المستقرض أعطاه أجودهما فلا بأس بذلك لان الربا اسم لزيادة مشروطة في العقد ولم توجد بل هذا من باب حسن القضاء وانه أمر مندوب إليه قال النبي عليه السلام خيار الناس أحسنهم قضاء وقال النبي عليه الصلاة والسلام عند قضاء دين لزمه للوازن زن وأرجح وعلى هذا تخرج مسألة السفاتج التي يتعامل بها التجار انها مكروهة لان التاجر ينتفع بها باسقاط خطر الطريق فتشبه قرضا جر نفعا فان قيل أليس انه روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما انه كان يستقرض بالمدينة على أن يرد بالكوفة وهذا انتفاع بالقرض باسقاط
(٣٩٥)