بثمنه في جزائه كان له ذلك لان الكراهة في حق الاكل خاصة وكذا إذا قطع شجر الحرم حتى ضمن قيمته يكره له الانتفاع به لان الانتفاع به يؤدى إلى استئصال شجر الحرم على ما بينا في الصيد ولو اشتراه انسان من القاطع لا يكره له الانتفاع به لأنه تناوله بعد انقطاع النماء عنه والله الموفق * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى النبات فكل ما ينبت بنفسه مما لا ينبته الناس عادة وهو رطب وجملة الكلام فيه أن نبات الحرم لا يخلو اما أن يكون مما لا ينبته الناس عادة واما أن يكون مما ينبته الناس عادة فإن كان مما لا ينبته الناس عادة إذا نبت بنفسه وهو رطب فهو محظور القطع والقلع على المحرم والحلال جميعا نحو الحشيش الرطب والشجر الرطب الا ما فيه ضرورة وهو الإذخر فان قلعه انسان أو قطعه فعليه قيمته لله تعالى سواء كان محرما أو حلالا بعد إن كان مخاطبا بالشرائع والأصل فيه قوله تعالى أو لم يروا انا جعلنا حرما آمنا أخبر الله تعالى أنه جعل الحرم آمنا مطلقا فيجب العمل باطلاقه الا ما قيد بدليل وقول النبي صلى الله عليه وسلم الا ان مكة حرام حرمها الله تعالى إلى قوله لا يختلى خلالها ولا يعضد شجرها نهى عن اختلاء كل خلى وعضد كل شجر فيجرى على عمومه الا ما خص بدليل وهو الإذخر فإنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ساق الحديث إلى قوله لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها فقال العباس رضي الله عنه الا الإذخر يا رسول الله فإنه متاع لأهل مكة لحيهم وميتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم الا الإذخر والمعنى فيه ما أشار إليه العباس رضي الله عنه وهو حاجة أهل مكة إلى ذلك في حياتهم ومماتهم فان قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اختلاء خلى مكة عاما فكيف استثنى الإذخر باستثناء العباس وكان صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وقد قيل في الجواب عنه من وجهين أحدهما يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في قلبه هذا الاستثناء الا أن العباس رضي الله عنه سبقه به فاظهر النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه ما كان في قلبه والثاني يحتمل ان الله تعالى أمره أن يخبر بتحريم كل خلى مكة الا ما يستثنيه العباس وذلك غير ممنوع ويحتمل وجها ثالثا وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم عم القضية بتحريم كل خلى فسأله العباس الرخصة في الإذخر لحاجة أهل مكة ترفيها بهم فجاءه جبريل عليه السلام بالرخصة في الإذخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم الا الإذخر فان قيل من شرط صحة الاستثناء والتحاقه بالكلام الأول أن يكون متصلا به ذكرا وهذا منفصل لأنه ذكر بعد انقطاع الكلام الأول وبعد سؤال العباس رضي الله عنه الاستثناء بقوله الا الإذخر والاستثناء المنفصل لا يصح ولا يلحق المستثنى منه فالجواب ان هذا ليس باستثناء حقيقة وإن كانت صيغته صيغة الاستثناء بل هو اما تخصيص والخصيص المتراخى عن العام جائز عند مشايخنا وهو النسخ والنسخ قبل التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد جائز عندنا والله الموفق وإنما يستوى فيه المحرم والحلال لأنه لا فصل في النصوص المقتضية للأمن ولان حرمة التعرض لأجل الحرم فيستوي فيه المحرم والحلال وإذا وجب عليه قيمته فسبيلها سبيل جزاء صيد الحرم انه ان شاء اشترى بها طعاما يتصدق به على الفقراء على كل فقير نصف صاع من بر وان شاء اشترى بها هديا ان بلغت قيمته هديا على رواية الأصل والطحاوي فيذبح في الحرم ولا يجوز فيه الصوم عندنا خلافا لزفر على ما مر في صيد الحرم وإذا أدى قيمته يكره له الانتفاع بالمقلوع والمقطوع لأنه وصل إليه بسبب خبيث ولان الانتفاع به يؤدى إلى استئصال نبات الحرم لأنه إذا احتاج إلى شئ من ذلك يقلع ويقطع ويؤدى قيمته على ما ذكرنا في الصيد فان باعه يجوز ويتصدق بثمنه لأنه ثمن مبيع حصل بسبب خبيث ولا بأس بقلع الشجر اليابس والانتفاع به وكذا الحشيش اليابس لأنه قد مات وخرج عن حد النمو ولا يجوز رعى حشيش الحرم في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا بأس بالرعي وجه قوله إن الهدايا تحمل إلى الحرم ولا يمكن حفظها من الرعى فكان فيه ضرورة ولهما انه لما منع من التعرض لحشيش الحرم استوى فيه التعرض بنفسه وبارسال البهيمة عليه لان فعل البهيمة مضاف إليه كما في الصيد فإنه لما حرم عليه التعرض لصيده استوى فيه اصطياده بنفسه وبارسال الكلب كذا هذا وإن كان مما ينبته الناس عادة من الزروع والأشجار التي ينبتونها فلا بأس بقطعه وقلعه لاجماع
(٢١٠)