الاختلاف فيه فيما تقدم ومنها إذا أمن عليه بنفسه حال قدرته على الأداء بنفسه فلا يجوز استنابة غيره مع قدرته على الحج بنفسه وجملة الكلام فيه ان العبادات في الشرع أنواع ثلاثة مالية محضة كالزكاة والصدقات والكفارات والعشور وبدنية محضة كالصلاة والصوم والجهاد ومشتملة على البدن والمال كالحج فالمالية المحضة تجوز فيها النيابة على الاطلاق وسواء كان من عليه قادرا على الأداء بنفسه أو لا لان الواجب فيها اخراج المال وانه يحصل بفعل النائب والبدنية المحضة لا تجوز فيها النيابة على الاطلاق لقوله عز وجل وان ليس للانسان الا ما سعى الا ما خص بدليل وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد أي في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فان من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات أو الاحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته ممن آمن بوحدانية الله تعالى وبرسالته صلى الله عليه وسلم وروى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أمي كانت تحب الصدقة أفأتصدق عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدق وعليه عمل المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من زيارة القبور وقراءة القرآن عليها والتكفين والصدقات والصوم والصلاة وجعل ثوابها للأموات ولا امتناع في العقل أيضا لان اعطاء الثواب من الله تعالى افضال منه لا استحقاق عليه فله أن يتفضل على من عمل لا جعله بجعل الثواب له كما له أن يتفضل باعطاء الثواب من غير عمل رأسا وأما المشتملة على البدن والمال وهي الحج فلا يجوز فيها النيابة عند القدرة ويجوز عند العجز والكلام فيه يقع في مواضع في جواز النيابة في الحج في الجملة وفي بيان كيفية النيابة فيه وفي بيان شرائط جواز النيابة وفي بيان ما يصير النائب به مخالفا وبيان حكمه إذا خالف اما الأول فالدليل على الجواز حديث الخثعمية وهو ما روى أن امرأة جاءت من بنى خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله ان فريضة الحج أدركت أبى وانه شيخ كبير لا يثبت على الراحلة وفى رواية لا يستمسك على الراحلة أفيجزيني أن أحج عنه فقال صلى الله عليه وسلم حجى عن أبيك واعتمري وفى رواية قال لها أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه اما كان يقبل منك قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فدين الله تعالى أحق ولأنه عبادة تؤدى بالبدن والمال فيجب اعتبارهما ولا يمكن اعتبارهما في حالة واحدة لتناف بين أحكامهما فنعتبرهما في حالين فنقول لا تجوز النيابة فيه عند القدرة اعتبارا للبدن وتجوز عند العجز اعتبارا للمال عملا بالمعنيين في الحالين وأما كيفية النيابة فيه فذكر في الأصل ان الحج يقع عن المحجوج عنه وروى عن محمد ان نفس الحج يقع عن الحاج وإنما للمحجوج عنه ثواب النفقة وجه رواية محمد انه عبادة بدنية ومالية والبدن للحاج والمال للمحجوج عنه فما كان من البدن لصاحب البدن وما كان بسبب المال يكون لصاحب المال والدليل عليه انه لو ارتكب شيئا من محظورات الاحرام فكفارته في ماله لا في مال المحجوج عنه وكذا لو أفسد الحج يجب عليه القضاء فدل ان نفس الحج يقع له الا ان الشرع أقام ثواب نفقة الحج في حق العاجز عن الحج بنفسه مقام الحج بنفسه نظرا له ومرحمة عليه وجه رواية الأصل ما روينا من حديث الخثعمية حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم حجى عن أبيك أمرها بالحج عن أبيها ولولا أن حجها يقع عن أبيها لما أمرها بالحج عنه ولان النبي صلى الله عليه وسلم قاس دين الله تعالى بدين العباد بقوله أرأيت لو كان على أبيك دين وذلك تجزئ فيه النيابة ويقوم فعل النائب مقام فعل المنوب عنه كذا هذا والدليل عليه ان الحاج يحتاج إلى نية المحجوج عنه كذا الاحرام ولو لم يقع نفس الحج عنه لكان لا يحتاج إلى نيته والله أعلم وأما شرائط جواز النيابة فمنها أن يكون المحجوج عنه عاجزا عن أداء الحج بنفسه وله مال فإن كان قادرا على الأداء بنفسه بأن كان صحيح البدن وله مال لا يجوز حج غيره لأنه إذا كان قادرا على الأداء ببدنه وله مال فالغرض يتعلق ببدنه لا بماله بل المال يكون شرطا وإذا تعلق الفرض ببدنه لا تجزئ فيه النيابة كالعبادات البدنية المحضة وكذا لو كان فقيرا صحيح البدن لا يجوز حج
(٢١٢)