حتى إذا كان عبدا أو مسافرا لا تصح منه إقامة الجمعة وجه قول زفر انه لا جمعة على العبد والمسافر قال النبي صلى الله عليه وسلم أربعة لا جمعة عليهم المسافر والمريض والعبد والمرأة فلو جمع بالناس كان متطوعا في أداء الجمعة واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى الجمعة بالناس عام فتح مكة وكان مسافرا حتى قال لهم في صلاة الظهر بعد ما صلى ركعتين وسلم أتموا صلاتكم يا أهل مكة فانا قوم سفر وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أطيعوا السلطان ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع ولو لم يصلح اماما لم تفترض طاعته ولأنهما من أهل الوجوب الا انه رخص لهما التخلف عنها والاشتغال بتسوية أسباب السفر وخدمة المولي نظرا فإذا حضر الجامع لم يسلك طريقة الترخص واختار العزيمة فيعود حكم العزيمة ويلتحق بالأحرار المقيمين كالمسافر إذا صام رمضان فيصح الاقتداء به وبه تبين ان هذا اقتداء المفترض بالمفترض فيصح وأما المرأة والصبي العاقل فلا يصح منهما إقامة الجمعة لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى الا ان المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت رجلا صالحا للإمامة حتى صلى بهم الجمعة جاز لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضيا في الجملة فتصح امامتها وأما الخطبة فالكلام في الخطبة في مواضع في بيان كونها شرطا لجواز الجمعة وفي بيان وقت الخطبة وفي بيان كيفية الخطبة ومقدارها وفي بيان ما هو المسنون في الخطبة وفي بيان محظورات الخطبة أما الأول فالدليل على كونها شرطا قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله والخطبة ذكر الله فتدخل في الامر بالسعي لها من حيث هي ذكر الله أو المراد من الذكر الخطبة وقد أمر بالسعي إلى الخطبة فدل على وجوبها وكونها شرطا لانعقاد الجمعة وعن عمر وعائشة رضي الله عنهما انهما قالا إنما قصرت الصلاة لأجل الخطبة أخبرا أن شطر الصلاة سقط لأجل الخطبة وشطر الصلاة كان فرضا فلا يسقط الا بالتحصيل ما هو فرض ولان ترك الظهر بالجمعة عرف بالنص والنص ورد بهذه الهيئة وهي وجوب الخطبة ثم هي وإن كانت قائمة مقام ركعتين شرط وليست بركن لان صلاة الجمعة لا تقام بالخطبة فلم تكن من أركانها وأما وقت الخطبة فوقت الجمعة وهو وقت الظهر لكن قبل صلاة الجمعة لما ذكرنا لها شرط الجمعة وشرط الشئ يكون سابقا عليه وهكذا فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقت الخطبة بعرفة قبل الصلاة أيضا لكنها سنت لتعليم المناسك واما الخطبة في العيدين فوقتها بعد الصلاة وهي سنة لما نذكر إن شاء الله تعالى واما كيفية الخطبة ومقدارها فقد قال أبو حنيفة ان الشرط أن يذكر الله تعالى على قصد الخطبة كذا نقل عنه في الأمالي مفسرا قل الذكر أم كثر حتى لو سبح أو هلل أو حمد الله تعالى على قصد الخطبة أجزأه وقال أبو يوسف ومحمد الشرط أن يأتي بكلام يسمى خطبة في العرف وقال الشافعي الشرط ان يأتي بخطبتين بينهما جلسة لان الله تعالى قال فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع وهذا ذكر مجمل ففسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتبين ان الله تعالى أمر بخطبتين ولهما ان المشروط هو الخطبة والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين والوعظ والتذكير لهم فينصرف المطلق إلى المتعارف ولأبي حنيفة طريقان أحدهما ان الواجب هو مطلق ذكر الله لقوله فاسعوا إلى ذكر الله وذكر الله تعالى معلوم لا جهالة فيه فلم يكن مجملا لأنه تطاوع العمل من غير بيان يقترن به فتقييده بذكر يسمى خطبة أو بذكر طويل لا يجوز الا بدليل والثاني أن يقيد ذكر الله تعالى بما يسمى خطبة لكن اسم الخطبة في حقيقة اللغة يقع على ما قلنا فإنه روى عن عثمان رضي الله عنه انه لما استخلف خطب في أول جمعة فلما قال الحمد لله ارتج عليه فقال أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال وان أبا بكر وعمر كانا يعد ان لهذا المكان مقالا وستأتيكم الخطب من بعد وأستغفر الله لي ولكم ونزل وصلى بهم الجمعة وكان ذلك بمحضر من المهاجرين والأنصار وصلوا خلفه وما أنكروا عليه صنيعه مع أنهم كانوا موصوفين بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر فكان هذا اجماعا من الصحابة رضي الله عنهم على أن الشرط هو مطلق ذكر الله تعالى ومطلق ذكر الله تعالى مما ينطلق عليه اسم الخطبة لغة وإن كان لا ينطلق عليه عرفا وتبين بهذا ان الواجب هو الذكر لغة وعرفا وقد وجد أو ذكر هو خطبة لغة وان لم يسم خطبة في العرف وقد أتى به وهذا لان العرف إنما يعتبر في
(٢٦٢)