معاملات الناس فيكون دلالة على غرضهم وأما في أمر بين العبد وبين ربه فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة وقد وجد على أن هذا القدر من الكلام يسمى خطبة في المتعارف ألا ترى إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للذي قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى بئس الخطيب أنت سماه خطيبا بهذا القدر من الكلام وأما سنن الخطبة فمنها أن يخطب خطبتين على ما روى عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال ينبغي أن يخطب خطبة خفيفة يفتتح فيها بحمد الله تعالى ويثنى عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ ويذكر ويقرأ سورة ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى يحمد الله تعالى ويثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويكون قدر الخطبة قدر سورة من طوال المفصل لما روى عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين قائما يجلس فيما بينهما جلسة خيفية ويتلو آيات من القرآن وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يستحب أن يقرأ الخطيب في خطبته يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ثم القعدة بين الخطبتين سنة عندنا وكذا القراءة في الخطبة وعند الشافعي شرط والصحيح مذهبنا لان الله تعالى أمر بالذكر مطلقا عن قيد القعدة والقراءة فلا تجعل شرطا بخبر الواحد لأنه يصير ناسخا لحكم الكتاب وانه لا يصلح ناسخا له ولكن يصلح مكملا له فقلنا إن قدر ما ثبت بالكتاب يكون فرضا وما ثبت بخبر الواحد يكون سنة عملا بهما بقدر الامكان وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان يخطب خطبة واحدة فلما ثقل أي أسن جعلها خطبتين وقعد بينهما فهذا دليل على أن القعدة للاستراحة لا انه شرط لازم ومنها الطهارة في حالة الخطبة فهي سنة عندنا وليست بشرط حتى أن الامام إذا خطب وهو جنب أو محدث فإنه يعتبر شرطا لجواز الجمعة وعند أبي يوسف لا يجوز وهو قول الشافعي لان الخطبة بمنزلة شطر الصلاة لما ذكرنا من الأثر ولهذا لا تجوز في غير وقت الصلاة فيشترط لها الطهارة كما تشترط للصلاة ولنا انه ليس في ظاهر الرواية شرط الطهارة ولأنها من باب الذكر والمحدث والجنب لا يمنعان من ذكر الله تعالى والاعتبار بالصلاة غير سديد ألا ترى انها تؤدى مستدبر القبلة ولا يفسدها الكلام بخلاف الصلاة ثم لم يذكر إعادة الخطبة ههنا وذكر في اذان الجنب انه يعاد والفرق ان الاذان تحلى بحلية الصلاة وهي استقبال القبلة بخلاف الخطبة فكان الخلل المتمكن في الاذان أشد وكثير النقص مستحق الرفع دون قليله كما يجبر نقص ترك الواجب بسجدتي السهو دون ترك السنن ويحتمل أن تكون الإعادة مستحبة في الموضعين كذا ذكر في نوادر أبى يوسف انه يعيدها وان لم يعدها جاز لأنه ليس من شرطها استقبال القبلة هكذا ذكر أشار إلى أنها ليست نظير الصلاة فلا تشترط لها الطهارة الا انها سنة لان السنة هي الوصل بين الخطبة والصلاة ولا يتمكن من إقامة هذه السنة الا بالطهارة ومنها أن يخطب قائما فالقيام سنة وليس بشرط حتى لو خطب قاعدا يجوز عندنا الظاهر النص وكذا روى عن عثمان انه كان يخطب قاعدا حين كبروا سن ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الا انه مسنون في حال الاختيار لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما وروى أن رجلا سأل ابن مسعود رضي الله عنه أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما أو قاعدا فقال ألست تقرأ قوله تعالى وتركوك قائما ومنها أن يستقبل القوم بوجهه ويستدبر القبلة لان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يخطب وكذا السنة في حق القوم أن يستقبلوه بوجوههم لان الاسماع والاستماع واجب للخطبة وذا لا يتكامل الا بالمقابلة وروى عن أبي حنيفة انه كان لا يستقبل الامام بوجهه حتى يفرغ المؤذن من الاذان فإذا أخد الامام في الخطبة انحرف بوجهه إليه ومنها أن لا يطول الخطبة لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقصير الخطب وعن عمر رضي الله عنه أنه قال طولوا الصلاة وقصروا الخطبة وقال ابن مسعود طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل أي أن هذا مما يستدل به على فقه الرجل وأما محظورات الخطبة فمنها انه يكره الكلام حالة الخطبة وكذا قراءة القرآن وكذا الصلاة وقال الشافعي إذا دخل الجامع والامام في الخطبة ينبغي أن يصلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد احتج الشافعي بما روى عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه أنه قال دخل سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم بخطب فقال له
(٢٦٣)