والمتقدم ليس بمأمور من جهة السلطان أو نائبه فلم يجز تقدمه فاما سائر الصلوات فاقامتها غير متعلقة بالامام وبخلاف ما إذا استخلف الكافر مسلما فأدى الجمعة لا يجوز وإن كان الكافر قادرا على اكتساب الأهلية بالاسلام لان هذا من أمور الدين وهو يعتمد ولاية السلطنة ولا يجوز ان يثبت للكافر ولاية السلطنة على المسلمين فلم يصح استخلافه بخلاف المحدث والجنب والله أعلم ولو قدم مسافرا أو عبدا أو مكاتبا وصلى بهم الجمعة جاز عندنا خلافا لزفر لان هؤلاء من أهل إقامة الجمعة على ما بينا هذا إذا قدم الامام أحدا فإن لم يقدم وتقدم صاحب الشرط أو القاضي جاز لان هذا من أمور العامة وقد قلدهما الامام ما هو من أمور العامة فنزلا منزلة الامام ولان الحاجة إلى الامام لدفع التنازع في التقدم وذا يحصل بتقدمهما لوجود دليل اختصاصهما من بين سائر الناس وهو كون كل واحد منهما نائبا للسلطان وعاملا من عماله وكذا لو قدم أحدهما رجلا قد شهد الخطبة جاز لأنه ثبت لكل واحد منهما ولاية التقدم على ما مر فتثبت ولاية التقدم لان كل من يملك إقامة الصلاة يملك إقامة غيره مقامه وأما الجماعة فالكلام في الجماعة في مواضع في بيان كونها شرطا للجمعة وفي بيان كيفية هذا الشرط وفي بيان مقداره وفي بيان صفة القوم الذين تنعقد بهم الجمعة اما الأول فالدليل على أنها شرط ان هذه الصلاة تسمى جمعة فلابد من لزوم معنى الجمعة فيه اعتبارا للمعنى الذي أخذ اللفظ منه من حيث اللغة كما في الصرف والسلم والرهن ونحو ذلك ولان ترك الظهر ثبت بهذه الشريطة على ما مر ولهذا لم يؤد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة الا بجماعة وعليه اجماع العلماء وأما بيان كيفية هذا الشرط فنقول لا خلاف في أن الجماعة شرط لانعقاد الجمعة حتى لا تنعقد الجمعة بدونها حتى أن الامام إذا فرغ من الخطبة ثم نفر الناس عنه الا واحدا يصلى بهم الظهر دون الجمعة وكذا لو نفروا قبل ان يخطب الامام فخطب الامام وحده ثم حضروا فصلى بهم الجمعة لا يجوز لان الجماعة كما هي شرط انعقاد الجمعة حال الشروع في الصلاة فهي شرط حال سماع الخطبة لان الخطبة بمنزلة شفع من الصلاة قالت عائشة رضي الله عنها إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة فتشترط الجماعة حال سماعها كما تشترط حال الشروع في الصلاة واختلفوا في أنها هل هي شرط بقائها منعقدة إلى آخر الصلاة قال أصحابنا الثلاثة انها ليست بشرط وقال زفر انها شرط للانعقاد والبقاء جميعا فيشترط دوامها من أول الصلاة إلى آخرها كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ونحوها حتى أنهم لو نفروا بعد ما قيد الركعة بالسجدة له ان يتم الجمعة عندنا وعند زفر إذا نفروا قبل ان يقعد الامام قدر التشهد فسدت الجمعة وعليه ان يستقبل الظهر وجه قوله أن الجماعة شرط لهذه الصلاة فكانت شرط الانعقاد والبقاء كسائر الشروط من الوقت وستر العورة واستقبال القبلة وهذا لان الأصل فيما جعل شرطا للعبادة أن يكون شرطا لجميع أجزائها لتساوي أجزاء العبادة الا إذا كان شرطا لا يمكن قرانه لجميع الاجزاء لتعذر ذلك أو لما فيه من الحرج كالنية فتجعل شرطا لانعقادها وهنا لا حرج في اشتراط دوام الجماعة إلى آخر الصلاة في حق الامام لان فوات هذا الشرط قبل تمام الصلاة في غاية الندرة فكان شرط الأداء كما هو شرط الانعقاد ولهذا شرط أبو حنيفة دوام هذا الشرط ركعة كاملة وذا لا يشترط في شرط الانعقاد بخلاف المقتدى لان استدامة هذا الشرط في حق المقتدى يوقعه في الحرج لأنه كثيرا ما يسبق بركعة أو ركعتين فجعل في حقه شرط الانعقاد لا غير وجه قول أصحابنا الثلاثة ان المعنى يقتضى أن لا تكون الجماعة شرطا أصلا لا شرط الانعقاد ولا شرط البقاء لان الأصل أن يكون شرط العبادة شيئا يدخل تحت قدرة المكلف تحصيله ليكون بقدر الوسع الا إذا كان شرطا هو كائن لا محالة كالوقت لأنه إذا لم يكن كائنا لا محالة لم يكن للمكلف بد من تحصيله ليتمكن من الأداء ولا ولاية لكل مكلف على غيره فلم يكن قادرا على تحصيل شرط الجماعة فكان ينبغي أن لا تكون الجماعة شرطا أصلا الا انا جعلناها شرطا بالشرع فتجعل شرطا بقدر ما يحصل قبول حكم الشرع وذلك يحصل بجعله شرط الانعقاد فلا حاجة إلى جعله شرط البقاء وصار كالنية بل أولى لان في وسع المكلف تحصيل النية لكن لما كان في استدامتها حرج جعل شرط الانعقاد دون البقاء دفعا للحرج فالشرط الذي لا يدخل تحت ولاية العباد أصلا أولى أن لا يجعل شرط البقاء
(٢٦٦)