وقت الظهر وهو في صلاة الجمعة فعند أصحابنا يستقبل الظهر وعنده يتمها ظهرا أما الكلام مع الشافعي فإنه احتج بما روى عن عمر وعائشة رضي الله عنهما انهما قالا إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة ولان الوقت سبب لوجوب الظهر والوقت متى جعل سببا لوجوب صلاة كان سببا لوجوبها في كل يوم كسائر أوقات الصلاة ثم إذا وجد سبب القصر تقصر كما نقصر يعذر السفر وههنا وجد سبب القصر وهو الخطبة ومشقة قطع المسافة إلى الجامع ولنا ان الجمعة مع الظهر صلاتان متغايرتان لأنهما مختلفتان شروطا لما نذكر اختصاص الجمعة بشروط ليست للظهر والفرض الواحد لا تختلف شروطه بالقصر فكانا غيرين فلا يصح بناء أحدهما على الآخر كبناء العصر على الظهر بعد خروج وقت الظهر وأما حديث عمر وعائشة رضي الله عنهما ففيه بيان علة القصر أما ليس فيه أن المقصور ظهر وما ذكره من المعنى غير سديد لان الوقت قد يخلو عن فرضه أداء لعذر من الاعذار كوقت العصر عن العصر يوم عرفة بعرفة ووقت المغرب عن المغرب ليلة المزدلفة فكذا ههنا جاز أن يخلو وقت الظهر عن الظهر أداء إن كان لا يخلو عنه وجوبا لكنه يسقط عنه بأداء الجمعة على ما نذكر وأما الخلاف بين أصحابنا رحمهم الله فبناء على الخلاف في كيفية العمل بالأحاديث المشهورة المتعارضة من حيث الطاهر فإنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وأول وقت الظهر حين تزول الشمس ونحو ذلك من الأحاديث من غير فصل بين الجمعة وغيره وقد وردت الأحاديث المشهورة في فرضية صلاة الجمعة في هذا الوقت بعينه على ما ذكرنا والجمع بينهما فعلا غير مشروع بلا خلاف بين الأئمة فمحمد رحمه الله على أحد قوليه عمل بطريق التناسخ فجعل الآخر وهو حديث الجمعة ناسخا للأول على ما هو الأصل عند معرفة التاريخ الا أنه رخص له أن يسقط الجمعة بالظهر وعلى القول الآخر قال إنه قام دليل فرضية كل واحدة من الصلاتين ولا سبيل إلى القول بفرضيتهما على الجمع ولهذا لو فعل إحداهما أيتهما كانت سقط الفرض عنه فكان الفرض إحداهما غير عين وإنما يتعين بفعله وأبو حنيفة وأبو يوسف عملا بالأحاديث بطريق التوفيق إذا العمل بالحديثين أولى من نسخ أحدهما فقالا إن فرض الوقت هو الظهر لكن أمر باسقاط الظهر بالجمعة ليكون عملا بالدليلين بقدر الامكان ولهذا يجب قضاء الظهر بعد فوت الجمعة وخروج الوقت والقضاء خلف عن الأداء دل أن الظهر هو الأصل إذا لأربع لا تصلح أن تكون خلفا عن ركعتين وزفر يقول لما انتسخ الظهر بالجمعة دل أن الجمعة أصل ولما وجب القضاء بعد خروج الوقت بأداء الظهر دل أنه بدل عن الجمعة إذا عرف هذا الأصل نخرج عليه المسائل فنقول من يصلى الظهر يوم الجمعة وهو غير معذور قبل صلاة الجمعة ولم يحضر الجمعة بعد ذلك ولم يؤدها يقع فرضا عند علمائنا الثلاثة حتى لا تلزمه الإعادة خلافا لزفر أما عند أبي حنيفة وأبى يوسف فلانه أدى فرض الوقت لان فرض الوقت هو الظهر عندهما ولكنه أمر باسقاطه بأداء الجمعة فإذا لم يؤد الجمعة بقي الفرض ذلك فإذا أداه فقد أدى فرض الوقت فلا يلزمه الإعادة وأما عند محمد فعلى أحد قوليه الفرض أحدهما غير عين ويتعين بفعله فإذا صلى الظهر تعين فرضا من الأصل وعلى قوله الآخر فرض الوقت وإن كان هو الجمعة وهي العزيمة لكن له أن يسقطها بالظهر رخصة وقد ترخص بالظهر وفى قول زفر لما كان الظهر بدلا عن الجمعة وإنما يجوز البدل عند العجز عن الأصل كما في التراب مع الماء وههنا هو قادر على الأصل فلا يجزيه البدل فتلزمه الإعادة وعلى هذا يخرج المعذور كالمريض والمسافر إذا صلى الظهر في بيته وحده أنه يقع فرضا في قول أصحابنا جميعا على اختلاف طرقهم أما عند أبي حنيفة وأبى يوسف فلان فرض الوقت هو الظهر الا أن غير المعذور مأمور باسقاطه بالجمعة على طريق الحتم والمعذور مأمور باسقاطه بالجمعة بطريق الرخصة ولم يترخص فبقيت العزيمة وهي الظهر وقد أداها فنقع فرضا وأما عند محمد فلان الجمعة فرض عليه على طريق العزيمة لكن مع رخصة الترك وقد ترخص بتركها بالظهر وأما على قول زفر فلأن المفروض عليه الظهر بدلا عن الجمعة بعذر المرض والسفر وعلى هذا يخرج المعذور إذا صلى الظهر في بيته ثم شهد الجمعة وصلاها مع الامام أنه يرتفض ظهره ويصير تطوعا وفرضه الجمعة في قول أصحابنا الثلاثة لان القادر مأمور باسقاط الظهر بالجمعة
(٢٥٧)