ولمحافل الناس وكانت الصلاة متعمما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما ان ذلك أبلغ في الاحترام والثاني انه أمر بغسل هذه الأعضاء الظاهرة من الحدث والجنابة تذكير التطهير الباطن من الغش والحسد والكبر وسوء الظن بالمسلمين ونحو ذلك من أسباب المآثم فامر لا لإزالة الحدث تطهيرا لان قيام الحدث لا ينافي العبادة والخدمة في الجملة الا ترى انه يجوز أداء الصوم والزكاة مع قيام الحدث والجنابة وأقرب من ذلك الايمان بالله الذي هو رأس العبادات وهذا لان الحدث ليس بمعصية ولا سبب مأثم وما ذكرنا من المعاني التي في باطنه أسباب المآثم فأمر بغسل هذه الأعضاء الظاهرة دلالة وتنبيها على تطهير الباطن من هذه الأمور وتطهير النفس عنها واجب بالسمع والعقل والثالث انه وجب غسل هذه الأعضاء شكر النعمة وراء النعمة التي وجبت لها الصلاة وهي ان هذه الأعضاء وسائل إلى استيفاء نعم عظيمة بل بها تنال جل نعم الله تعالى فاليد بها يتناول ويقبض ما يحتاج إليه والرجل يمشى بها إلى مقاصده والوجه والرأس محل الحواس ومجمعها التي بها يعرف عظم نعم الله تعالى من العين والانف والفم والاذن التي بها البصر والشم والذوق والسمع التي بها يكون التلذذ والتشهي والوصول إلى جميع النعم فأمر بغسل هذه الأعضاء شكرا لما يتوسل بها إلى هذه النعم والرابع أمر بغسل هذه الأعضاء تكفيرا لما ارتكب بهذه الأعضاء من الاجرام إذ بها يرتكب جل المآثم من أخذ الحرام والمشي إلى الحرام والنظر إلى الحرام وأكل الحرام وسماع الحرام من اللغو والكذب فأمر بغسلها تكفيرا لهذه الذنوب وقد وردت الاخبار يكون الوضوء تكفيرا للمآثم فكانت مؤيدة لما قلنا (وأما) طهارة مكان الصلاة فلقوله تعالى أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وقال في موضع والقائمين والركن السجود ولما ذكرنا ان الصلاة خدمة الرب تعالى وتعظيمه وخدمة المعبود المستحق للعبادة وتعظيمه بكل الممكن فرض وأداء الصلاة على مكان طاهر أقرب إلى التعظيم فكان طهارة مكان الصلاة شرطا وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الصلاة في المزيلة والمجزرة ومعاطن الإبل وقوارع الطرق والحمام والمقبرة وفوق ظهر بيت الله تعالى اما معنى النهى عن الصلاة في المزيلة والمجزرة فلكونهما موضع النجاسة واما معاطن الإبل فقد قيل إن معنى النهى فيها انها لا تخلو عن النجاسات عادة لكن هذا يشكل بما روى من الحديث صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل مع أن المعاطن والمرابض في معنى النجاسة سواء وقيل معنى النهى ان الإبل ربما تبول على المصلى فيبتلى بما يفسد صلاته وهذا لا يتوهم في الغنم واما قوارع الطرق فقيل إنها لا تخلو عن الأرواث والأبوال عادة فعلى هذا لا فرق بين الطريق الواسع والضيق وقيل معنى النهى فيها انه يستضر به المارة وعلى هذا إذا كان الطريق واسعا لا يكره وحكى ابن سماعة ان محمدا كان يصلى على الطريق في البادية وأما الحمام فمعنى النهى فيه انه مصب الغسالات والنجاسات عادة فعلى هذا لو صلى في موضع الحمامي لا يكره وقيل معنى النهى فيه ان الحمام بيت الشيطان فعلى هذا تكره الصلاة في كل موضع منه سواء غسل ذلك الموضع أو لم يغسل وأما المقبرة فقيل إنما نهى عن ذلك لما فيه من التشبيه باليهود كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدا وروى أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يصلى بالليل إلى قبر فناداه القبر القبر فظن الرجل أنه يقول القمر القمر فجعل ينظر إلى السماء فما زال به حتى تنبسه فعلى هذا تجوز الصلاة وتكره وقيل معنى النهى ان المقابر لا تخلو عن النجاسات لان الجهال يستترون بما شرف من القبور فيبولون ويتغوطون خلفه فعلى هذا لا تجوز الصلاة لو كان في موضع يفعلون ذلك لانعدام طهارة المكان واما فوق بيت الله تعالى فمعنى النهى عندنا ان الانسان منهى عن الصعود على سطح الكعبة لما فيه من ترك التعظيم ولا يمنع جواز الصلاة عليه وعند الشافعي هذا النهى للافساد حتى لو صلى على سطح الكعبة وليس بين يديه سترة لا تجوز صلاته عنده وسنذكر الكلام فيما بعد ولو صلى في بيت فيه تماثيل فهذا على وجهين اما إن كانت التماثيل مقطوعة الرؤس أو لم تكن مقطوعة الرؤس فإن كانت مقطوعة الرؤس فلا بأس بالصلاة فيه لأنها بالقطع خرجت من أن تكون تماثيل
(١١٥)