(ولنا) قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون أمر بالاستماع والانصات والاستماع وان لم يكن ممكنا عند المخافتة بالقراءة فالانصات ممكن فيجب بظاهر النص وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه لما نزلت هذه الآية تركوا القراءة خلف الإمام وامامهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه كان بأمره وقال صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا الحديث أمر بالسكوت عند قراءة الإمام وأما الحديث فعندنا لا صلاة بدون قراءة أصلا وصلاة المقتدى ليست صلاة بدون قراءة أصلا بل هي صلاة بقراءة وهي قراءة الإمام على أن قراءة للمقتدى قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان له امام فقراءة الإمام له قراءة ثم المفروض هو أصل القراءة عندنا من غير تعيين فأما قراءة الفاتحة والسورة عينا في الأوليين فليست بفريضة ولكنها واجبة على ما يذكر في بيان واجبات الصلاة (وأما) بيان محل القراءة المفروضة فمحلها الركعتان الأوليان عينا في الصلاة الرباعية هو الصحيح من مذهب أصحابنا وقال بعضهم ركعتان منها غير عين واليه ذهب القدوري وأشار في الأصل إلى القول الأول فإنه قال إذا ترك القراءة في الأوليين يقضيها في الأخريين فقد جعل القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين فدل أن محلها الأوليان عينا وقال الحسن البصري المفروض هو القراءة في ركعة واحدة وقال مالك في ثلاث ركعات وقال الشافعي في كل ركعة احتج الحسن بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن والامر بالفعل لا يقتضى التكرار فإذا قرأ في ركعة واحدة فقد امتثل أمر الشرع وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة الا بقراءة أثبت الصلاة بقراءة وقد وجدت القراءة في ركعة فثبتت الصلاة ضرورة وبهذا يحتج الشافعي الا أنه يقول اسم الصلاة ينطلق على كل ركعة فلا تجوز كل ركعة الا بقراءة لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة الا بقراءة ولان القراءة في كل ركعة فرض في النفل ففي الفرض أولى لأنه أقوى ولان القراءة ركن من أركان الصلاة ثم سائر الأركان من القيام والركوع والسجود فرض في كل ركعة فكذا القراءة وبهذا يحتج مالك الا أنه يقول القراءة في الأكثر أقيم مقام القراءة في الكل تيسيرا (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فان عمر رضي الله عنه ترك القراءة في المغرب في احدى الأوليين فقضاها في الركعة الأخيرة وجهر وعثمان رضي الله عنه ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين وجهر وعلى وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان المصلى بالخيار في الأخريين ان شاء قرأ وان شاء سكت وان شاء سبح وسأل رجل عائشة رضي الله عنها عن قراءة الفاتحة في الأخريين فقالت ليكن على وجه الثناء ولم يرو عن غيرهم خلاف ذلك فيكون ذلك اجماعا ولان القراءة في الأخريين ذكر يخافت بها على كل حال فلا تكون فرضا كثناء الافتتاح وهذا لان مبنى الأركان على الشهرة والظهور ولو كانت القراءة في الأخريين فرضا لما خالفت الاخريان الأوليين في الصفة كسائر الأركان وأما الآية فنحن ما عرفنا فرضية القراءة في الركعة الثانية بهذه الآية بل باجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرناه والثاني انا ما عرفنا فرضيتها بنص الامر بل بدلالة النص لان الركعة الثانية تكرار للأولى والتكرار في الافعال إعادة مثل الأول فيقتضى إعادة القراءة بخلاف الشفع الثاني لأنه ليس بتكرار الشفع الأول بل هو زيادة عليه قالت عائشة رضي الله عنها الصلاة في الأصل ركعتان زيدت في الحضر وأقرت في السفر والزيادة على الشئ لا يقتضى أن يكون مثله ولهذا اختلف الشفعان في وصف القراءة من حيث الجهر والاخفاء وفى قدرها وهو قراءة السورة فلم يصح الاستدلال على أن في الكتاب والسنة بيان فرضية القراءة وليس فيهما بيان قدر القراءة المفروضة وقد خرج فعل الصحابة رضي الله عنهم على مقدار فيجعل بيانا لمجمل الكتاب والسنة بخلاف التطوع لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة حتى أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول بخلاف الفرض والله أعلم وأما في الأخريين فالأفضل أن يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ولو سبح في كل ركعة ثلاث تسبيحات مكان فاتحة الكتاب أو سكت أجزأته صلاته ولا يكون مسيئا إن كان عامدا ولا سهو عليه إن كان ساهيا كذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه مخير بين
(١١١)