كان التعجيل في المغرب أفضل لان النافلة قبلها مكروهة ولان المكث بعد العصر إلى غروب الشمس مندوب إليه قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى العصر ثم مكث في المسجد إلى غروب الشمس فكأنما أعتق ثمانيا من ولد إسماعيل وإنما يتمكن من احراز هذه الفضيلة بالتأخير لا بالتعجيل لأنه قلما يمكث وأما حديث عائشة رضي الله عنه ا فقد كانت حيطان حجرتها قصيرة فتبقى الشمس طالعة فيها إلى أن تتغير وأما حديث أنس فقد كان ذلك في وقت الصيف ومثله يتأتى للمستعجل إذ كان ذلك في وقت مخصوص لعذر والله أعلم (وأما) المغرب فالمستحب فيها التعجيل في الشتاء والصيف جميعا وتأخيرها إلى اشتباك النجوم مكروه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء ولان التعجيل سبب لتكثير الجماعة والتأخير سبب لتقليلها لان الناس يشتغلون بالتعشي والاستراحة فكان التعجيل أفضل وكذا هو من باب الساعة إلى الخير فكان أولى (وأما) العشاء فالمستحب فيها التأخير إلى ثلث الليل في الشتاء ويجوز التأخير نصف الليل ويكره التأخير عن النصف وأما في الصيف فالتعجيل أفضل وعند الشافعي المستحب تعجيلها بعد غيبوبة الشفق لما ذكر وعن النعمان بن بشير ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى العشاء حين يسقط القمر في الليلة وذلك عند غيبوبة الشفق يكون ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء إلى ثلث الليل ثم خرج فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه فقال اما انه لا ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت أحد غيركم ولولا سقم السقيم وضعف الضعيف لأخرت العشاء إلى هذا الوقت وفى حديث آخر قال لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل وروى عن عمر رضي الله عنه انه كتب إلى أبى موسى الأشعري ان صل العشاء حين يذهب ثلث الليل فان أبيت فإلى نصف الليل فان نمت فلا نامت عيناك وفى رواية فلا تكن من الغافلين ولان التأخير عن النصف الأخير تعريض لها للفوات فان من لم ينم إلى نصف الليل ثم نام فغلبه النوم فلا يستيقظ في المعتاد إلى ما بعد انفجار الصبح وتعريض الصلاة للفوات مكروه ولأنه لو عجل في الشتاء ربما يقع في السمر بعد العشاء لان الناس لا ينامون إلى ثلث الليل لطول الليالي فيشتغلون بالسمر عادة وانه منهى عنه ولأن يكون اختتام صحيفته بالطاعة أولى من أن يكون بالمعصية والتعجيل في الصيف لا يؤدى إلى هذا القبيح لأنهم ينامون لقصر الليالي فتعتبر فيه المسارعة إلى الخير والحديث محمول على زمان الصيف أو على حال العذر وكان عيسى بن أبان يقول الأولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره التأخير مطلقا ألا ترى ان العذر لمرض ولسفر يؤخر المغرب للجمع بينهما وبين العشاء فعلا ولو كان المذهب كراهة التأخير مطلقا لما أبيح ذلك بعذر المرض والسفر كما لا يباح تأخير العصر إلى تغير الشمس هذا إذا كانت السماء مصحية فإن كانت متغيمة فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب هو التأخير وفى العصر والعشاء التعجيل وان شئت أن تحفظ هذا فكل صلاة في أول اسمها عين تعجيل وما ليس في أول اسمها عين تؤخر أما التأخير في الفجر فلما ذكرنا ولأنه لو غلس بها فربما تقع قبل انفجار الصبح وكذا لو عجل الظهر فربما يقع قبل الزوال ولو عجل المغرب عسى يقع قبل الغروب ولا يقال لو أخر ربما يقع في وقت مكروه لان الترجيح عند التعارض للتأخير ليخرج عن عهدة الفرض بيقين وأما تعجيل العصر عن وقتها المعتاد فلئلا يقع في وقت مكروه وهو وقت تغير الشمس وليس فيه وهم الوقوع قبل الوقت لان الظهر قد أخر في هذا اليوم وتعجيل العشاء كيلا تقع بعد انتصاف الليل وليس في التعجيل توهم الوقوع قبل الوقت لان المغرب قد أخر في هذا اليوم والله أعلم وروى الحسن عن أبي حنيفة أن التأخير في الصلوات كلها أفضل في جميع الأوقات والأحوال وهو اختيار الفقيه الجليل أبى أحمد العياضي وعلل وقال إن في التأخير ترددا بين وجهي الجواز اما القضاء واما الأداء وفى التعجيل ترددا بين وجهي الجواز والفساد فكان التأخير أولى والله الموفق وعلى هذا الأصل أقال أصحابنا انه لا يجوز الجمع بين فرضين في وقت أحدهما الا بعرفة والمزدلفة فيجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة اتفق عليه رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم انه فعله ولا يجوز الجمع بعذر السفر والمطر وقال الشافعي يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر وبين المغرب والعشاء
(١٢٦)