وإذا كان الستر فرضا كان الانكشاف مانعا جواز الصلاة ضرورة والكلام في بيان ما يكون عورة وما لا يكون موضعه كتاب الاستحسان وإنما الحاجة ههنا إلى بيان المقدار الذي يمنع جواز الصلاة فنقول قليل الانكشاف لا يمنع الجواز لما فيه من الضرورة لان الثياب لا تخلو عن قليل خرق عادة والكثير يمنع لعدم الضرورة واختلف في الحد الفاصل بين القليل والكثير فقدر أبو حنيفة ومحمد الكثير بالربع فقالا الربع وما فوقه من العضو كثير وما دون الربع قليل وأبو يوسف جعل الأكثر من النصف كثيرا وما دون النصف قليلا واختلفت الرواية عنه في النصف فجعله في حكم القليل في الجامع الصغير وفى حكم الكثير في الأصل وجه قول أبى يوسف ان القليل والكثير من المتقابلات فإنما تظهر بالمقابلة فما كان مقابله أقل منه فهو كثير وما كان مقابله أكثر منه فهو قليل (ولهما) ان الشرع أقام الربع مقام الكل في كثير من المواضع كما في حلق الرأس في حق المحرم ومسح ربع الرأس كذا ههنا إذا لموضع موضع الاحتياط واما قوله إن القليل والكثير من أسماء المقابلة فإنما يعرف ذلك بمقابله فنقول الشرع قد جعل الربع كثيرا في نفسه من غير مقابله في بعض المواضع على ما بينا فلزم الاخذ به في موضع الاحتياط ثم كثير الانكشاف يستوى فيه العضو الواحد والأعضاء المتفرقة حتى لو أنكشف من أعضاء متفرقة ما لو جمع لكان كثيرا يمنع جواز الصلاة ويستوى فيه العورة الغليظة وهي القبل والدبر والخفيفة كالفخذ ونحوه ومن الناس من قدر العورة الغليظة بالدرهم تغليظ الامرها وهذا غير سديد لان العورة الغليظة كلها لا تزيد على الدرهم فنقد يرها بالدرهم يكون تخفيفا لأمرها لا تغليظا له فتنعكس القضبة وذكر محمد في الزيادات ما يدل على أن حكم الغليظة والخفيفة واحد فإنه قال في امرأة صلت فانكشف شئ من شعرها وشئ من ظهرها وشئ من فرجها وشئ من فخذها انه إن كان بحال لو جمع بلغ الربع منع أداء الصلاة وان لم يبلغ لا يمنع فقد جمع بين العورة الغليظة الخفيفة واعتبر فيها الربع فثبت ان حكمها لا يختلف وان الخلاف فيهما واحد وهذا في حالة القدرة فاما في حالة العجز فالانكشاف لا يمنع جواز الصلاة بان حضرته الصلاة وهو عريان لا يجد ثوبا للضرورة ولو كان معه ثوب نجس فلا يخلوا ما إن كان الربع منه طاهرا واما إن كان كله نجسا فإن كان ربعه طاهر ألم يجزه أن يصلى عريانا بل يجب عليه أن يصلى في ذلك الثوب لان الربع فما فوقه في حكم الكمال كما في مسح الرأس وحلق المحرم ربع الرأس و كما يقال رأيت فلانا وان عاينه من احدى جهاته الأربع فجعل كان الثوب كله طاهرا وإن كان كله نجسا أو الطاهر منه أقل من الربع فهو بالخيار في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ان شاء صلى عريانا وان شاء مع الثوب لكن الصلاة في الثوب أفضل وقال محمد لا تجزئه الا مع الثوب وجه قوله إن ترك استعمال النجاسة فرض وستر العورة فرض الا ان ستر العورة أهمهما وآكدهما لأنه فرض في الأحوال أجمع وفرضية ترك استعمال النجاسة مقصورة على حالة الصلاة فيصار إلى الا هم فتستر العورة ولا تجوز الصلاة بدونه ويتحمل استعمال النجاسة ولأنه لو صلى عريانا كان تاركا فرائض منها ستر العورة والقيام والركوع والسجود ولو صلى في الثوب النجس كان تاركا فرضا واحدا وهو ترك استعمال النجاسة فقط فكان هذا الجانب أهون وقد قالت عائشة رضي الله عنها ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين الا اختارا هو نهما فمن ابتلى ببليتين فعليه أن يختار أهونهما (ولهما) ان الجانبين في الفرضية في حق الصلاة على السواء الا ترى انه كما لا تجوز الصلاة حالة الاختيار عريانا لا تجوز مع الثوب المملوء نجاسة ولا يمكن إقامة أحد الفرضين في هذه الحالة الا بترك الآخر فسقطت فريضتهما في حق الصلاة فيخير فيجزئه كيف ما فعل الا ان الصلاة في الثوب أفضل لما ذكر محمد (ومنها) استقبال القبلة لقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر وعليه اجماع الأمة والأصل ان استقبال القبلة للصلاة شرط زائد لا يعقل معناه بدليل انه لا يجب الاستقبال فيما هو رأس العبادات وهو الايمان وكذا في عامة العبادات من الزكاة والصوم والحج وإنما عرف شرطا في باب الصلاة شرعا فيجب اعتباره بقدر ما ورد الشرع به
(١١٧)