والخنزير جواب ظاهر قول أصحابنا وروى عن أبي يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ لعموم الحديث والصحيح ان جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ لان نجاسته ليست لما فيه من الدم والرطوبة هو نجس العين فكان وجود الدباغ في حقه والعدم بمنزلة واحدة وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ لان له جلودا مترادفة بعضها فوق بعض كما للآدمي وأما جلد الانسان فإن كان يحتمل الدباغ وتندفع رطوبته بالدبغ ينبغي أن يطهر لأنه ليس بنجس العين لكن لا يجوز الانتفاع به احتراما له وأما جلد الفيل فذكر في العيون عن محمد أنه لا يطهر بالدباغ وروى عن أبي حنيفة وأبى يوسف أنه يطهر لأنه ليس بنجس العين ثم الدباغ على ضربين حقيقي وحكمي فالحقيقي هو أن يدبغ بشئ له قيمة كالقرظ والعفص والسبخة ونحوها والحكمي أن يدبغ بالتشميس والتتريب والالفاء في الريح والنوعان مستويان في سائر الأحكام الا في حكم واحد وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا وبعد الدباغ الحكمي فيه روايتان وقال الشافعي لا يطهر الجلد الا بالدباغ الحقيقي وانه غير سديد لان الحكمي في إزالة الرطوبات والعصمة عن النتن والفساد بمضي الزمان مثل الحقيقي فلا معنى للفصل بينهما والله أعلم (ومنها) الذكاة في تطهير الذبيح وجملة الكلام فيها أن الحيوان إن كان مأكول اللحم فذبح طهر بجميع اجزائه الا الدم المسفوح وان لم يكن مأكول اللحم فما هو طاهر من الميتة من الاجزاء التي لا دم فيها كالشعر وأمثاله يطهر منه بالذكاة عندنا وأما الاجزاء التي فيها الدم كاللحم والشحم والجلد فهل تطهر بالذكاة اتفق أصحابنا على أن جلده يطهر بالذكاة وقال الشافعي لا يطهر وجه قوله أن الذكاة لم تفد حلا فلا تفيد طهرا وهذا لان أثر الذكاة يظهر فيما وضع له أصلا وهو حل تناول اللحم وفى غيره تبعا فإذا لم يظهر أثرها في الأصل كيف يظهر في التبع فصار كما لو ذبحه مجوسي (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دباغ الأديم ذكاته الحق الذكاة بالدباغ ثم الجلد يطهر بالدباغ كذا بالذكاة لان الذكاة تشارك الدباغ في إزالة الدماء السائلة والرطوبات النجسة فتشاركه في إفادة الطهارة وما ذكر من معنى التبعية فغير سديد لان طهارة الجلد حكم مقصود في الجلد كما أن تناول اللحم حكم مقصود في اللحم وفعل المجوسي ليس بذكاة لعدم أهلية الذكاة فلا يفيد الطهارة فتعين تطهيره بالدباغ واختلفوا في طهارة اللحم والشحم ذكر الكرخي فقال كل حيوان يطهر بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فهذا يدل على أنه يطهر لحمه وشحمه وسائر اجزائه لان الحيوان اسم لجملة الاجزاء وقال بعض مشايخنا ومشايخ بلخ ان كل حيوان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فاما اللحم والشحم ونحوهما فلا يطهر والأول أقرب إلى الصواب لما مر ان النجاسة لمكان الدم المسفوح وقد زال بالذكاة (ومنها) نزح ما وجب من الدلاء أو نزح جميع الماء بعد استخراج الواقع في البئر من الآدمي أو غيره من الحيوان في تطهير البئر عرفنا ذلك بالخبر واجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا فيما تقدم ثم إذا وجب نزح جميع الماء من البئر فينبغي ان تسد جميع منابع الماء ان أمكن ثم ينزح ما فيها من الماء النجس وان لم يكن سد منابعه لغلبة الماء روى عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول انه ينزح مائة دلو وروى مائتا دلو وعن محمد انه ينزح مائتا دلوا أو ثلاثمائة دلو وعن أبي يوسف روايتان في رواية يحفر بجنبها حفيرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثم ينزح ماؤها ويصب في الحفيرة حتى تمتلئ فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر وفى رواية يرسل فيها قصبة ويجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها عشر دلاء مثلا ثم ينظركم انتقص فينزح بقدر ذلك والأوفق في الباب ما روى عن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام انه يؤتى برجلين لهما بصارة في أمر الماء فينزح بقولهما لان ما يعرف بالاجتهاد يرجع فيه إلى أهل الاجتهاد في ذلك الباب ثم اختلف في الدلو الذي ينزح به الماء النجس قال بعضهم المعتبر في كل بئر دلوها صغيرا كان أو كبيرا وروى عن أبي حنيفة انه يعتبر دلو يسع قدر صاع وقيل المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير واما حكم طهارة الدلو والرشاء فقد روى عن أبي يوسف انه سئل عن الدلو الذي ينزح به الماء النجس من البئر أيغسل أم لا قال لا بل يطهره ما طهر البئر وكذا روى عن الحسن بن زياد أنه قال إذا طهرت البئر يطهر الدلو والرشاء كما يطهر طين البئر وحمأته لان نجاستهما بنجاسة البئر وطهارتهما يكون بطهارة البئر
(٨٦)