أفهامهم مثل افهام أهل زماننا لما فهموا منها سوى التسبيح المذكور وقوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقيل غروبها ومن آناء الليل فسبحه وأطراف النهار لعلك ترضى قيل في تأويل قوله فسبح أي فصل قبل طلوع الشمس هو صلاة الصبح وقبل غروبها هو صلاة الظهر والعصر ومن آناء الليل صلاة المغرب والعشاء وقوله وأطراف النهار على التكرار والإعادة تأكيدا كما في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ان ذكر الصلاة الوسطى على التأكيد لدخولها تحت اسم الصلوات كذا ههنا وقوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال قيل الذكر والتسبيح ههنا هما الصلاة وقيل الذكر سائر الأذكار والتسبيح الصلاة وقوله بالغد وصلاة الغداة والآصال صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقيل الآصال هو صلاة العصر ويحتمل العصر والظهر لأنهما يؤديان في الأصيل وهو العشي وفرضية المغرب والعشاء عرفت بدليل آخر (وأما) السنة فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عام حجة الوداع اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيت ربكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم وروى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى فرض على عباده المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات وعن عبادة أيضا رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن أتى بهن ولم يضيع من حقهن شيئا استخفافا بحقهن فان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة وعليه اجماع الأمة فان الأمة أجمعت على فرضية هذه الصلوات (وأما) المعقول فمن وجوه أحدها ان هذه الصلوات إنما وجبت شكرا للنعم منها نعمة الخلقة حيث فضل الجوهر الانسي بالتصوير على أحسن صورة وأحسن تقويم كما قال تعالى وصوركم فأحسن صوركم وقال لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم حتى لا ترى أحدا يتمنى أن يكون على غير هذا التقويم والصورة التي أنشئ عليها (ومنها) نعمة سلامة الجوارح عن الآفات إذ بها يقدر على إقامة مصالحه أعطاه الله ذلك كله انعاما محضا من غير أن يسبق منه ما يوجب استحقاق شئ من ذلك فأمر باستعمال هذه النعمة في خدمة المنعم شكرا لما أنعم إذ شكر النعمة استعمالها في خدمة المنعم (ثم) الصلاة تجمع استعمال جميع الجوارح الظاهرة من القيام والركوع والسجود والقعود ووضع اليد مواضعها وحفظ العين وكذا الجوارح الباطنة من شغل القلب بالنية واشعاره بالخوف والرجاء واحضار الذهن والعقل بالتعظيم والتبجيل ليكون عمل كل عضو شكرا لما أنعم عليه في ذلك (ومنها) نعمة المفاصل اللينة والجوارح المنقادة التي بها يقدر على استعمالها في الأحوال المختلفة من القيام والقعود والركوع والسجود والصلاة تشتمل على هذا الأحوال فأمرنا باستعمال هذه النعم الخاصة في هذه الأحوال في خدمة المنعم شكرا لهذه النعمة وشكر النعمة فرض عقلا وشرعا (ومنها) أن الصلاة وكل عبادة خدمة الرب جل جلاله وخدمة المولى على العبد لا تكون الا فرضا إذ التبرع من العبد على مولاه محال والعزيمة هي شغل جميع الأوقات بالعبادات بقدر الامكان وانتفاء الجرح الا أن الله تعالى بفضله وكرمه جعل لعبده أن يترك الخدمة في بعض الأوقات رخصة حتى لو شرع لم يكن له الترك لأنه إذا شرع فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة يحقق ما ذكرنا أن العبد لا بدله من اظهار سمة العبودية ليخالف به من استعصى مولاه وأظهر الترفع عن العبادة وفى الصلاة اظهار سمة العبودية لما فيها من القيام بين يدي المولى جل جلاله وتحنية الظهر له وتعفير الوجه بالأرض والجثو على الركبتين والثناء عليه والمدح له (ومنها) أنها مانعة للمصلى عن ارتكاب المعاصي لأنه إذا قام بين يدي ربه خاشعا متذللا مستشعرا هيبة الرب جل جلاله خائفا تقصيره في عبادته كل يوم خمس مرات عصمه ذلك عن اقتحام المعاصي والامتناع عن المعصية فرض وذلك قوله تعالى وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات وقوله تعالى وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (ومنها) انها جعلت مكفرة للذنوب والخطايا والزلات والتقصير إذا لعبد في أوقات
(٩٠)