توهم النجاسة فعند تحققها أولى ولأن الظاهر أن النجاسة لا تزول بالمرة الواحدة الا ترى ان النجاسة المرئية قط لا تزول بالمرة الواحدة فكذا غير المرئية ولا فرق سوى ان ذلك يرى بالحس وهذا يعلم بالعقل والاعتبار بالحدث غير سديد لان ثمة لا نجاسة رأسا وإنما عرفنا وجوب الغسل نصا غير معقول المعنى والنص ورد بالاكتفاء بمرة واحدة فان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ثم التقدير بالثلاث عندنا ليس بلازم بل هو مفوض إلى غالب رأيه وأكبر ظنه وإنما ورد النص بالتقدير بالثلاث بناء على غالب العادات فان الغالب انها تزول بالثلاث ولان الثلاث هو الحد الفاصل لا بلاء العذر كما في قصة العبد الصالح مع موسى حيث قال له موسى في المرة الثالثة قد بلغت من لدني عذرا وإن كانت النجاسة مرئية كالدم ونحوه فطهارتها زوال عينها ولا عبرة فيه بالعدد لأن النجاسة في العين فان زالت العين زالت النجاسة وان بقيت بقيت ولو زالت العين وبقى الأثر فإن كان مما يزول أثره لا يحكم بطهارته ما لم يزل الأثر لان الأثر لون عينه لا لون الثوب فبقاؤه يدل على بقاء عينه وإن كانت النجاسة مما لا يزول أثره لا يضر بقاء أثره عندنا وعند الشافعي لا يحكم بطهارته ما دام الأثر باقيا وينبغي ان يقطع بالمقراض لان بقاء الأثر دليل بقاء العين (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمستحاضة حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره وهذا نص ولان الله تعالى لما لم يكلفنا غسل النجاسة الا بالماء مع علمه انه ليس في طبع الماء قلع الآثار دل على أن بقاء الأثر فيما لا يزول أثره ليس بمانع زوال النجاسة وقوله بقاء الأثر دليل بقاء العين مسلم لكن الشرع أسقط اعتبار ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام ولا يضرك بقاء أثره ولما ذكرنا انه لم يأمرنا الا بالغسل بالماء ولم يكلفنا تعلم الحيل في قلع الآثار ولان ذلك في حد القلة والقليل من النجاسة عفو عندنا ولان أصابة النجاسة التي لها أثر باق كالدم الأسود العبيط مما يكثر في الثياب خصوصا في حقي النسوان فلو أمرنا بقطع الثياب لوقع الناس في الحرج وانه مدفوع وكذا يؤدى إلى اتلاف الأموال والشرع نهانا عن ذلك فكيف يأمرنا به (ومنها) العصر فيما يحتمل العصر وما يقوم مقامه فيما لا يحتمله والجملة فيه ان المحل الذي تنجس اما إن كان شيئا لا يتشرب فيه اجزاء النجس أصلا أو كان شيئا يتشرب فيه شئ يسير أو كان شيئا يتشرب فيه شئ كثير فإن كان مما لا يتشرب فيه شئ أصلا كالأواني المتخذة من الحجر والصغر والنحاس والخزف العتيق ونحو ذلك فطهارته بزوال عين النجاسة أو العدد على ما مر وإن كان مما يتشرب فيه شئ قليل كالبدن والخف والنعل فكذلك لأن الماء يستخرج ذلك القليل فيحكم بطهارته وإن كان يتشرب فيه كثير فإن كان مما يمكن عصره كالثياب فإن كانت النجاسة مرئية فطهارته بالغسل والعصر إلى أن تزول العين وإن كانت غير مرئية فطهارته بالغسل ثلاثا والعصر وفى كل مرة لأن الماء لا يستخرج الكثير الا بواسطة العصر ولا يتم الغسل بدونه وروى عن محمد انه يكتفى بالعصر في المرة الأخيرة ويستوى الجواب عندنا بين بول الصبي والصبية وقال الشافعي بول الصبي يطهر بالنضح من غير عصر (واحتج) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينضح بول الصبي ويغسل بول الجارية (ولنا) ما روينا من حديث عمار من غير فصل بين بول وبول وما رواه غريب فلا يقبل خصوصا إذا خالف المشهور وإن كان مما لا يمكن عصره كالحصير المتخذ من البورى ونحوه أي ما لا ينعصر بالعصر ان علم أنه لم يتشرب فيه بل أصاب ظاهره يطهر بإزالة العين أو بالغسل ثلاث مرات من غير عصر فاما إذا علم أنه تشرب فيه فقد قال أبو يوسف ينقع في الماء ثلاث مرات ويجفف في كل مرة فيحكم بطهارته وقال محمد لا يطهر أبدا وعلى هذا الخلاف الخزف الجديد إذا تشرب فيه النجس والجلد إذا دبغ بالدهن النجس والحنطة إذا تشرب فيها النجس وانتفخت أنها لا تطهر أبدا عند محمد وعند أبي يوسف تنقع في الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة وكذا السكين إذا موه بماء نجس واللحم إذا طبخ بماء نجس فعند أبي يوسف يموه السكين ويطبخ اللحم بالطاهر ثلاث مرات ويجفف في كل مرة وعند محمد لا يطهر أبدا وجه قول محمد أن النجاسة إذا دخلت في الباطن يتعذر استخراجها الا بالعصر والعصر متعذر وأبو يوسف يقول إن تعذرت العصر فالتجفيف ممكن فيقام التجفيف مقام العصر
(٨٨)