وأبي سليمان بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وذكر القاضي من الحنابلة فيه رواية أخرى أنه لا يجوز، لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، والمنافع لم تدخل في ضمانه، ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه، والأول أصح، لان قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة، وقياس الرواية الأخرى باطل على هذا الأصل إذا ثبت هذا: فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقام أو دونه في الضرر لما مضى فأما اجارتها قبل قبضها فلا تجوز من غير المؤجر في أحد الوجوه الثلاثة عندنا وأحد الوجهين عند الحنابلة، وهو قول أبي حنيفة، لان المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالأعيان.
والوجه الثاني يجوز العين لان قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه، فلم يقف جواز التصرف عليه، فأما إجارتها قبل القبض من المؤجر - وهو الوجه الثالث عندنا وهو قول عند الحنابلة - فإذا قلنا: لا يجوز من غير المؤجر كان فيه وجهان أحدهما: لا يجوز لأنه عقد عليها قبل قبضها، والثاني: يجوز لان القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي، وأصلهما: بيع الطعام قبل قبضه لا يصح من غير بائعه رواية واحدة، وهل يصح من بائعه؟ على روايتين، فأما إجارتها بعد قبضها من المؤجر فجائزة، وبهذا قال أحمد والشافعي رضي الله عنه. وقال أبو حنيفة لا يجوز لان ذلك يؤدى إلى تناقض الا حاكم، لان التسليم مستحق على الكراء، فإذا اكتراها صار مستحقا له فيصير مستحقا لما يستحق عليه، وهذا تناقض.
دليلنا أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع وما ذكروه لا يصح لان التسليم قد حصل، وهذا المستحق له تسليم آخر يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحق تسليمها، فان قال: التسليم ههنا مستحق في جميع المدة بخلاف البيع. قلنا: المستحق تسليم العين وقد حصل، وليس عليه تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر، فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار وغصبها رجع عليه لأنها بسبب كان في ضمانه.