(الشرح) تصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول: إن مت فثلثي للمساكين أو لفلان، والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضى هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين، فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البدة ثم مات بعد ذلك فليس له وصية، وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال مالك: إن قال قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك، وإن كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فوصيته بحالها ما لم ينقضها.
ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت: كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله، ولأنه قيد وصيته بقيد فلا يتعداه كما ذكرنا، وإن قال لاحد عبديه: أنت حر بعد موتى، وقال للآخر: أنت حر إن مت في مرضى هذا فمات في مرضه فالعبدان سواء في التدبير. وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقى تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه وقال: إن مت قبلي فهو لعمرو وصحت وصيته على حسب ما شرطه له، وكذلك في سائر الشروط فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلمون على شروطهم).
(فرع) ولا يملك الموصى له الوصية الا بالقبول في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه لأنه تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين، فاعتبر قبوله كالهبة والبيع، فأما إن كانت لغيره معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم كبني هاشم وتميم أو على مصلحة كمسجد ومستشفى ومدرسة أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لان اعتبار القبول من جميعهم متعذر، فيسقط اعتباره كالوقف عليهم، ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله، وذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصى به مثل ان يوصى بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه، ولان الملك لا يثبت الموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما ثبت لكل واحد منهم بالفيض فيقوم قبضه مقام قبوله.
اما الآدمي المعين فيثبت له الملك فيعتبر قبوله لكن لا يعين القبول باللفظ بل يجزئ ما قام مقامه من الاخذ والفعل الدال على الرضى كقولنا في الهبة والبيع