والماء يستخلف عقيب أخذه وما ينقص من الدلو والحبل لا يستخلف، فيستضر والضرر لا يزال بالضرر، ولا يلزمه بذل فضل الماء للزرع، لان الزرع لا حرمة له في نفسه، والماشية لها حرمة في نفسها، ولهذا لو كان الزرع له لم يلزمه سقيه، ولو كانت الماشية له لزمه سقيها، وان لم يفضل الماء عن حاجته لم يلزمه بذله، لان النبي صلى الله عليه وسلم علق الوعيد على منع الفضل. ولان ما لا يفضل عن حاجته يستضر ببذله، والضرر لا يزال بالضرر.
(الشرح) حديث اياس بن عمرو عند أهل السنن وصححه الترمذي. وقال أبو الفتح القشيري: هو على شرط الشيخين وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر مرفوعا. أما حديث أبي هريرة فقد وجدته عند الشيخين بلفظ (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ) وللبخاري (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ) وعند أحمد من حديث أبي هريرة أيضا (ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه) أما اللفظ الذي ساقه المصنف معزوا إلى أبي هريرة فإني وجدته عند أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه (من منع فضل مائه، أو فضل كلئه. منعه الله عز وجل فضله يوم القيامة) وفى اسناده محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة وقد ضعفه.
قال ابن حجر: صدوق يهم، ورمى بالقدر، ورواه الطبراني في الصغير عن عمرو بن شعيب ورواه في الكبير من حديث وائلة بلفظ آخر واسناده ضعيف والأحاديث يشهد بعضها لبعض ويشهد لها جميعا حديث أبي هريرة عند الشيخين وحديث عائشة عند أحمد وابن ماجة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نفع البئر) وحديث جابر عند مسلم (نهى عن بيع فضل الماء) وفى مسند عبد الله بن أحمد عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ) والنقع الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها، وقوله (فضل الماء) المراد به ما زاد على الحاجة ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ (ولا يمنع ماء بعد أن يستغنى عنه).